وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

«أوبك» تواجه خطراً أكبر من أسعار النفط

لا يمكن لعاقلين أن يختلفا على أن هبوط أسعار النفط إلى مستويات تحت سعر يعادل ميزانيات أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بكثير هو أكبر خطر تواجهه دول المنظمة، ولكن هناك خطر أكبر على هذه الدول من الأسعار، وهو التحركات الأميركية لفرض قانون «نوبك».
لقد صمدت «أوبك» عبر السنين أمام هزات كبيرة، اقتصادية وسياسية، حيث واصلت عملها رغم دخول عضوين مؤسسين فيها في حرب دامت 8 سنوات، واحتلال عضو مؤسس لأراضي عضو مؤسس آخر.
إلا أن الأمور هذه المرة لا تبشر بالخير بالنسبة لمستقبل المنظمة، عقب تحرك مجلس الشيوخ الأميركي لفرض قانون «نوبك» الذي سيعطي أميركا (في حال الموافقة عليه) الحق في الملاحقة القانونية للدول المنتجة للنفط التي لديها ممارسات احتكارية أو تتحكم في الأسعار.
هذا التحرك الأميركي ساهم بشكل كبير في خروج قطر، أحد أقدم الأعضاء، التي كانت ستكون عضواً مؤسساً لــ«أوبك»، لولا أن القدر لما يسمح لها بذلك، بعد عدم تشجع قادتها في عام 1960 على الدخول في التحالف، رغم عودتها له لاحقاً بعد تأسيسه في بغداد.
وما جعلني أقلق بشدة حول هذا القانون هو أن روسيا نفسها لم تعد ترغب في الاستمرار في تحالف طويل الأجل مع «أوبك» خوفاً من «نوبك»، إذ أعلن وزير الطاقة الروسي ألكساندر نوفاك في أكثر من مناسبة مؤخراً أنه لا يرى إمكانية عقد اتفاق طويل الأجل بين روسيا و«أوبك» نظراً لوجود عوائق بيروقراطية، ووجود مخاطر متعلقة بسن قانون «نوبك» على «أوبك».
إن فرض «نوبك» سيسبب صدعاً كبيراً في المنظمة، رغم أن أعضائها لا يزالون صامدين مستمرين في مهاهم لإعادة التوازن للسوق النفطية بشجاعة، حتى بعد خروج دولة مثل قطر. ومن الطبيعي أن تقلق الدول التي لديها استثمارات كبيرة في الولايات المتحدة من الوضع، وتفكر في الخروج خوفاً من حجز أصولها هناك بسبب دعاوي قضائية أميركية.
ماذا تستطيع «أوبك» أن تفعل أمام هذا الأمر؟ سياسياً، تستطيع دول «أوبك» عقد صفقات سياسية مع الإدارة الأميركية لوضع حد لفرض القانون. هذا الأمر ساعد كثيراً في المرة السابقة التي سعى فيها مجلس الشيوخ لفرض قانون «نوبك» في 2007، حيث تصدى له الرئيس جورج بوش الابن.
ولكن بعيداً عن دهاليز السياسة، ماذا يمكن لدول «أوبك» أن تفعل؟ على المدى البعيد، الحل هو في تنويع مصادر الدخل، وألا تعتمد دول «أوبك» بشكل كبير على النفط في ميزانيتها، حتى لا تفسر أي محاولة لإعادة التوازن إلى السوق على أنها محاولة لرفع أو التلاعب في الأسعار.
هذا الأمر سيطول، وقد لا يحدث في سنوات قليلة، رغم الجهود الجبارة التي تبذل في عدد بسيط من دول المنظمة. وعليه، فإن الحل قصير الأجل هو أن تقوم «أوبك» بحملة إعلامية قوية، تظهر فيها جهودها مؤخراً، وفائدتها للاقتصاد العالمي، وإن كنت أشك في أن هذه الحملة (التي يجب أن يصاحبها إنشاء لوبي قانوني سياسي قوي في الولايات المتحدة لدعم قضايا «أوبك») ستنجح، نظراً لأن تاريخ «أوبك» هو تاريخ أسعار النفط، وقيام المنظمة في الأساس كان بهدف الدفاع عن أسعار النفط حينها.
للأسف، لقد كان الوعي الإعلامي لدى دول «أوبك» ضعيفاً جداً (والوضع لا يزال تحت المأمول، رغم تحسنه كثيراً) في الستينات الميلادية من القرن الماضي، وهو ما جعل الدفاع عن مصالحها غير مفهوم لدى شعوب العالم الأول، أو العالم الحر (المصطلح الدارج حينها).
هناك كثير من الكتب والأدبيات التي أظهرت بالحجة والبراهين أن شركات النفط الدولية كانت هي المستفيد الأكبر من تحركات «أوبك» لرفع الأسعار، وما زال هذا الوضع إلى اليوم. ولولا «أوبك» لما قامت صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، ولما زاد إنتاج النفط في بحر الشمال. إن الأسعار العالية أو العادلة (حسب أين يقف الناظر لها) تساهم بشكل كبير في تحسن الاقتصادات المنتجة للنفط. وهنا، نذكر الولايات المتحدة وكندا بكونهما مصدرين للنفط والمنتجات البترولية، عكس الصين والهند اللتين تنتجان نفطاً لا يكفيهما للاستهلاك، ولا يساعدهما على تصديره.
إن «أوبك» هي الداعم لكل صناعة النفط في العالم، ولولاها لما أصبحت أميركا اليوم مصدراً صافياً للنفط، بغض النظر عن التطور التقني الهائل في إنتاج النفط هناك، إذ إن سعر النفط العالي هو العامل المهم والأول.
لماذا لم تنجح هذه الأدبيات في عرض الأمور بالشكل الحقيقي؟ هذا موضوع آخر، يحتاج أن يتم تناوله في مناسبة أخرى.