د. يوسف بن طراد السعدون
* عضو مجلس الشورى السعودي
TT

التطرف والتحريض وجها الإرهاب الشنيعان

«أصبحت شبكة الإنترنت رصيداً للجماعات الإرهابية لنشر الدعاية والتجنيد وجمع الأموال. وأول من استخدمها في التسعينات من القرن الماضي، دعاة تفوق العرق الأبيض في الولايات المتحدة من أجل الوصول إلى جمهور أوسع بسهولة وبتكلفة أقل».
هذا ما أفاد به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في كلمة ألقاها بمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن بتاريخ 16 أغسطس (آب) 2018، مشيراً إلى أنه «في عام 2017، نفذ ما لا يقل عن 11 ألف اعتداء إرهابي بأكثر من 100 بلد، أدى إلى مصرع أكثر من 25 ألفاً وإصابة 33 ألف إنسان.
وقد تمت الغالبية العظمى من تلك الاعتداءات في البلدان النامية. ففي عام 2016، سجل ما يقرب من ثلاثة أرباع إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب في خمس دول فقط هي: العراق وأفغانستان وسوريا ونيجيريا والصومال، وإن الإرهاب المعاصر يتضخم اليوم، وأصبح واقعاً يهدد السلام والأمن والتنمية بالعالم نتيجة لسيل الأنباء المتدفق على مدار الساعة، ومن جراء تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وبسبب التلاعب السياسي الفظ. وذلك ما يثير في النفوس شعوراً عميقاً بانعدام الأمن بين الأهالي يتحدى تماسك النسيج الاجتماعي.
كما أن الإرهاب يزدهر بزرع بذور الشقاق، حيث هو في جوهره إنكار لحقوق الإنسان وتدمير لها. ولن تتكلل مكافحة الإرهاب أبداً بالنجاح بنهج نفس السبيل الذي يتوخى الإنكار والتدمير».
وحديث الأمين العام للأمم المتحدة هذا، يرسخ القناعة بأن هناك وجهين للتحدي الذي يواجه الشباب العربي والإسلامي اليوم؛ الأول يتمثل في مواجهة ما يقوم به تنظيما «القاعدة» و«داعش» الإرهابيان، ومن يعمل خلفهما من الدول الإقليمية، التي تسعى لاستقطابهما لتحويلهما إلى وقود لعملياتها وفكرها. أما الوجه الثاني فهو التنبه إلى مواجهة الاتجاهات الليبرالية المتطرفة، التي تتلقى الاهتمام والدعم وحتى التمويل من عدة دول غربية، حيث يسعى هذا الفريق وأعوانه إلى زرع قيم الانسلاخ من الدين والثقافات والعادات والهويات الوطنية، والدعوة بالانتظام والمجاهرة في دعاوى ونشاطات المطالبة بالحقوق، والتي تحمل في ظاهرها باطن الرحمة ومن قبلها العذاب.
وكلا الفريقين يتشابهان في الأساليب والآليات المستخدمة لاستقطاب أنصارهما من الشباب واستخدامهم كوقود وقرابين للصراع والحسم في أجندات سياسية يستهدفان من خلالها استنزاف ثروات أوطانهم وإخضاع دولهم.
والمتمعن في أنشطتهما والمتابع لهما سوف يجد أن نجاحات كل فريق منهما تمثل دافعاً ومحركاً لنشاطات ونجاحات الفريق الآخر.
وهكذا تستمر رحى الطاحونة بالدوران لتدمر مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
فقد استغلت الجماعات المتطرفة كـ«القاعدة» و«داعش» هذا الأمر، خلال السنوات الماضية، ونجحت في استقطاب وتجنيد الشباب والشابات لتنفيذ أعمالهم الإجرامية. وقدرت دراسة THE CHALLENGE OF RETURNING AND RELOCATING FOREIGN TERRORIST FIGHTERS: RESEARCH PERSPECTIVES CONTENTS المنشورة في مارس (آذار) 2018 على موقع الأمم المتحدة، أعداد من تم استقطابهم بما يتجاوز 42 ألف مقاتل قدموا من حوالي 120 دولة من مختلف أرجاء العالم، كان منهم المئات من الدول الغربية، ولكن غالبية هؤلاء الضحايا كانوا من شباب وشابات الدول العربية والإسلامية.
وتوحدت الجهود الدولية، وفي مقدمتها الدول العربية والإسلامية، على محاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة وتفكيك شبكاته وخلاياه. وتم وفقاً للقانون الدولي حظر وتجريم ارتكاب الأعمال الإرهابية أو تمويلها أو التحريض عليها أو الاشتراك فيها أو حماية مرتكبيها.
ولكن ماذا عن مواجهة والقضاء على الوجه الآخر من التحديات، الذي يواجه شبابنا العربي والإسلامي، والمتمثل بالاتجاهات الليبرالية المتطرفة؟ فهي كـ«التنظيمات الجهادية» المتطرفة تسعى أيضاً إلى التدخل في سيادات مجتمعاتنا وتدميرها بحجج واهية لحقوق الإنسان والمرأة.
فهذا النوع من التحديات بدأ يلعب على المكشوف في الساحة العربية والإسلامية، وأصبحت حكومات بعض الدول الغربية تجاهر بدعم وتمويل ومساندة نشاطات هذه التوجهات أو التنظيمات المتطرفة.
ولو كانت هناك مصداقية لادعاءات حكومات تلك الدول وسياسييها في أنهم ينشدون حماية حقوق الإنسان والمرأة كما يقولون، فلماذا لم يستثمروا طاقاتهم ومواردهم للقضاء على التجاوزات الكبيرة لحقوق الإنسان والمرأة في مجتمعاتهم؟
فقد أكدت الأمم المتحدة أن نسبة الإناث اللائي قتلن على أيدي عشرائهن تتراوح في أستراليا وإسرائيل وجنوب أفريقيا وكندا والولايات المتحدة بين40 إلى 70 في المائة من بين ضحايا جرائم القتل.
وأنه يزيد احتمال تعرض نساء الشعوب الأصلية في كندا للموت نتيجة للعنف خمسة أضعاف عن غيرهن من النساء في نفس العمر. أما في أوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا، فما زال ما يزيد على نصف النساء المعوقات يتعرضن للإيذاء البدني، مقارنة بثلث عدد النساء غير المعوقات.
ووفقاً لتقرير المرصد الكندي للعدالة والمساءلة حول قتل النساء فقد قتلت 78 امرأة في كندا خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2018 بسبب العنف.
وأيضا نشرت جمعية ملاجئ المرأة الكندية في ديسمبر (كانون الأول) 2017، أن 7 من بين كل 10 أفراد عانوا من عنف أسري بكندا كن نساء وفتيات، وأن 50 في المائة من النساء الكنديات واجهن معاناة، على الأقل حالة واحدة من الحالات، العنف الجسدي أو الجنسي. فأين هؤلاء السياسيون من هذه المآسي الإنسانية بأوطانهم؟
وتنبع خطورة هذه النشاطات، من أنها بدأت تشكل سوابق خطيرة في القفز عالياً فوق المواثيق والقوانين المنظمة للعلاقات الدولية وحقوق الإنسان وسيادة الدول.
فهي تخالف تماماً المادة 1 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي نصت على أنه: يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء. كما أنها تمثل مخالفات صريحة لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتصلة باحترام سيادة الدول وعدم المساس بها ومنها القرار رقم (A-RES 36-103) عام 1981 الذي أكد أنه: لا يحق لأي دولة أو مجموعة من الدول أن تتدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة لأي سبب كان في الشؤون الداخلية والخارجية للدول الأخرى، وأن مبدأ عدم التدخل يمنح حق سيادة جميع الدول واستقلالها السياسي وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية وأمنها فضلا عن الهوية الوطنية والتراث الثقافي لسكانها، وأنه يجب على الدول الامتناع عن القيام بصورة مباشرة أو غير مباشرة بتعزيز أو تشجيع أو دعم أنشطة التمرد أو الانفصال داخل دول أخرى بأي حجة كانت أو اتخاذ تدابير تستهدف تمزيق وحدة دول أخرى أو تقويض أو تخريب نظامها السياسي، والامتناع عن تدريب المرتزقة وتمويلهم وتجنيدهم في إقليمها والقيام بأي حملة تشهيرية أو قذف أو دعاية عدائية بغرض التدخل بأي شكل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، والامتناع عن استغلال وتشويه قضايا حقوق الإنسان كوسيلة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول.
ختاماً، كافة البشر ينشدون السلام والمحافظة على حقوق الإنسان، وجمال ورونق هذه الأرض ينبع من وجود الفوارق والاختلافات في الطبيعة والحضارة والمبادئ والأعراف والقيم والعادات والتقاليد بين المجتمعات المختلفة.
لنا أن نتمعن في مقولة الأمين العام للأمم المتحدة: إن الإرهاب يزدهر بزرع بذور الشقاق، حيث هو في جوهره إنكار لحقوق الإنسان وتدمير لها، ولن تتكلل مكافحة الإرهاب أبدا بالنجاح بنهج نفس السبيل الذي يتوخى الإنكار والتدمير.

*عضو مجلس الشورى السعودي