محمد العرابي
TT

صراعات طويلة الأمد وإرادة مخطوفة

تبدو محاولة الإطلال على الأوضاع الاستراتيجية في المنطقة العربية، وخصوصاً في مستهل عام جديد، ضرورة ملحة ولا غنى عنها، فالمنطقة محاطة بوجود إقليمي غير عربي على صلة وتماس بما جرى ويجري في شؤوننا الداخلية، فضلاً عن نفوذ لقوى دولية لها مصالح تحميها بأدوات سياسية وعسكرية.
وعند التصدي لاستشراف ما هو قادم يجب التحلي بالصراحة والموضوعية للتوصل إلى تقديرات حقيقية بشأن المستقبل، ولتكن البداية من تقييم وضع الكيانات الإرهابية باعتبارها أكبر مخاطر العام الماضي، وكيف سيكون شكلها في عامٍ جديد؟
إن الإرهاب الذي استشرى في المنطقة وأصبح عابراً للحدود بهدف التقليل من قيمة الدولة المركزية وإضعاف الجيوش التقليدية، يمكن القول إن كياناته التي خُلقت واستقرت على الأرض ستظل باقية، رغم ما جرى من إضعاف لقدراتها وإمكانياتها بشكل مؤثر، فيُمكن القول إن سمة «إطالة أمد الصراع» ستظل مسيطرة إلى حد كبير على مشكلة الإرهاب وغيرها من أزمات المنطقة.
وتمتاز الجماعات الإرهابية بطبيعة تكوينها - مع الأسف - بالسرعة مقارنة بالحكومات، وذلك من حيث امتلاك الأدوات، وإعادة التجمع والتمركز في مناطق جديدة مثل دول مالي، والنيجر، وتشاد.
وعلى المنوال نفسه، يمكن التقدير أن مشكلات المنطقة تم اختطافها من الإرادة العربية، إلى حد أن المبعوثين الأمميين إلى المنطقة، كلهم من جنسيات غير عربية باستثناء غسان سلامة الموكل بالمهمة في ليبيا، ويصل بنا ذلك إلى ملاحظة استمرار ضعف تأثير المنظمات الإقليمية في مشاكل المنطقة.
ويكفي التذكير أن دولة عربية مثل سوريا، ولأول مرة في تاريخ المنطقة تنشط بها 8 جيوش لدول مختلفة، بخلاف الجماعات المسلحة. ليس التدخل العسكري المباشر وحده هو المعضلة في الوضع الاستراتيجي بالمنطقة، فهناك شهية مفتوحة ومتزايدة للكيانات الإقليمية مثل إيران، وتركيا، وإسرائيل، وإثيوبيا، للتدخل في شؤوننا.
وللتدليل على ما سبق يمكن النظر للحالة التركية، التي تحولت من التدخل الناعم إلى الحضور الخشن، وتوجد قوات تركية في العراق وسوريا وقطر، وتعمل الآن بالوكالة عن قطر في ليبيا.
وعلى جانب آخر، فهناك تزايد واضح في عدد القواعد العسكرية بالمنطقة، وخاصة منطقة القرن الأفريقي، إلى الحد الذي يمكن القول معه إن المنطقة تخوض حرب استنزاف، فقد غرقت في نفقات الأمن، وضعفت إمكانيات تنمية الشعوب.
وعلى مستوى التحالفات الاستراتيجية، فقد ظهرت تحالفات جديدة لم تكن متوقعة؛ منها تحالف روسيا، وإيران، وتركيا، وتزامن مع ذلك بروز تحالفات على المستوى التكتيكي لم تكن متوقعة أيضاً، وتحالفات قوى متنافرة لتأمين ممرات آمنة لخروج تكفيريين بأسلحتهم وعائلاتهم.
إن الوجود العسكري الروسي غير المسبوق بقوات مقاتلة على أراضٍ عربية، يجب النظر له بعناية فائقة لما له من انعكاسات على خرائط النفوذ في العام الجديد.
ويبدو أن المتغيرات المحيطة بالمنطقة، ستطور مفهوم الأمن القومي لدول المنطقة باعتباره يبدأ من خارج الحدود.
الوضع الاستراتيجي للقضية الفلسطينية، ورغم التردي الحاصل منذ عقود بشأنه، يبدو أنه ومع الأسف سيواكبه كذلك تراجع في الاهتمام بها، والذي يمكن القول معه إن إسرائيل باتت في «راحة استراتيجية» غير مسبوقة.
ورغم صعوبة توقع السياسة الأميركية أو التنبؤ بها، فإنها لا تزال تمتلك ناصية التخطيط للمنطقة مثل ما يطلق عليه صفقة القرن، وتحالف منطقة الشرق الأوسط، ويتواكب ذلك مع تزايد وتيرة التسليح.
* وزير خارجية مصر الأسبق