بين كل فترة وأخرى، يبدو أن عالم الرياضة يطرح صورة مجازية تجسد على نحو مثالي لحظة وطنية تعايشها الأمة. ويتجاوز الأمر كونه مصادفة حزينة، فعندما أعلن نجم التنس المنتمي للمملكة المتحدة آندي موراي، الجمعة، بينما كانت تمتلئ عيناه بالدموع، أن بطولة أستراليا المفتوحة المنعقدة هذا الشهر قد تشهد آخر مشاركاته في «غراند سلام»، بدا لوهلة كأنه يوجز فصلاً من ملحمة «بريكست».
جدير بالذكر أنه في أعقاب الصدمة التي منيت بها بريطانيا إزاء نتيجة الاستفتاء الذي عقد في يونيو (حزيران) 2016 حول الانفصال عن الاتحاد الأوروبي بفترة قصيرة، فاز موراي بثاني لقب له في ويمبلدون، ليعزز بذلك مكانته واحداً من أعظم الرياضيين على مستوى البلاد. المعروف أن موراي اسكوتلندي، وترتبط اسكوتلندا بعلاقات معقدة مع باقي أرجاء المملكة المتحدة، لكن بدءاً من اللحظة التي فاز خلالها بأول بطولة ويمبلدون له، لينهي بذلك فترة انتظار طالت 77 عاماً لظهور بطل رجل، سرعان ما احتضنه سائر أبناء المملكة المتحدة باعتباره رمزاً وطنياً.
بالنسبة لأنصار الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، فقد شعروا بسعادة غامرة إزاء نتيجة التصويت، بينما سيطر الحزن على أنصار البقاء في الاتحاد، بل وسقط بعضهم في حالة إنكار. في وقت سابق من البطولة، وجه مراسل سؤالاً لموراي حول شعوره إزاء كونه «الأمل الأخير» للبلاد. وأجاب موراي: «ليس سيئاً، أليس كذلك؟».
عندما أقيمت بطولة ويمبلدون عام 2017، بدا موراي متألماً وبعيداً كل البعد عن الصورة المتألقة التي كان عليها من عام واحد مضى. وخسر موراي أمام الأميركي الفارع الطول سام كويري في مباراة ربع نهائي جرت في خمس مجموعات شهدت لحظات كان من المؤلم مشاهدتها.
وأعقب ذلك جراحة وفترة إعادة تأهيل وعدة بدايات كاذبة أدت في نهاية الأمر إلى المؤتمر الصحافي العاطفي الذي عقد يوم الجمعة في ملبورن. وبدا واضحاً أن الأمور لم تسِر على النحو المخطط لها. وفي الوقت الذي قال فيه موراي إنه يأمل في الاعتزال بعد ويمبلدون هذا العام، فإنه ليس على ثقة من أنه سيتمكن من قطع الطريق حتى تلك النقطة، فقد عانى من آلام مستمرة وقد يشكل ذلك عبئاً مفرطاً على عاتقه.
من جانبه، من المقرر أن يصوّت البرلمان البريطاني على اتفاق «بريكست» اليوم الثلاثاء، وهو أمر لا تنظر إليه أي من الأطراف المعنية باعتباره نصراً، بل وثمة احتمال أن ترحل المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي بعد أربعة عقود من دون الاتفاق على شروط الانفصال. اليوم، لم تعد رئيسة الوزراء تيريزا ماي تتحدث عن «النجاح» و«بريكست» في الجملة ذاتها، وإنما تحاول فحسب، تماماً مثل موراي المصاب، الاستمرار داخل اللعبة، بينما توارت أحلام الفوز بالبطولة.
جدير بالذكر أنه أثناء بطولة ويمبلدون التاريخية عام 2016، بدا أسطورة التنس السويسري روجر فيدرر متحفظاً حيال التصويت على «بريكست».
وقال موجهاً حديثه إلى البريطانيين على نحو بدا كأنه يحمل نبوءة للمستقبل: «لا أرغب حتى في مجرد التفكير في المفاوضات الجارية حول هذا الأمر في الوقت الحالي. وأعتقد أن الأمر سوف يستغرق سنوات من التفاوض»، لكنه سرعان ما تحدث بالنبرة المتفائلة المميزة للرياضيين بوجه عام، وقال: «من اللطيف أن لديكم ديمقراطية هنا، وأن أمامكم فرصة للتصويت. هذا أمر رائع».
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»