د. يوسف بن طراد السعدون
* عضو مجلس الشورى السعودي
TT

المرأة في الغرب... معاناة أكثر

أكثر أشكال العنف الذي تتعرض له المرأة شيوعاً على نطاق العالم هو العنف البدني الذي يلحقه بها العشير. وتتعرض امرأة واحدة على الأقل من بين ثلاث نساء في المتوسط للضرب أو لممارسة الجنس قسراً أو للإيذاء على نحو آخر من قبل العشير خلال فترة حياتها. ففي أستراليا وإسرائيل وجنوب أفريقيا وكندا والولايات المتحدة، تتراوح نسبة الإناث اللائي قتلن على أيدي عشرائهن بين 40 في المائة و70 في المائة من بين ضحايا جرائم القتل، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
يزيد احتمال تعرض نساء الشعوب الأصلية في كندا للموت نتيجة للعنف خمسة أضعاف على غيرهن من النساء في العمر نفسه. أما في أوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا، فما زال ما يزيد على نصف النساء المعوقات يتعرضن للإيذاء البدني، مقارنة بثلث عدد النساء غير المعوقات.
في كندا، 60 في المائة من الرجال يمارسون العنف، وبنسبة 66 في المائة تتعرض العائلة كلها للعنف. وفي فرنسا، 95 في المائة من ضحايا العنف من النساء؛ 51 في المائة منهن نتيجة تعرضهن للضرب من قبل أزواجهن أو أصدقائهن.
تكاليف العنف ضد المرأة باهظة للغاية، وهي تشمل التكاليف المباشرة لخدمات علاج ضحايا الاعتداء من النساء وأطفالهن ودعمهم وتقديم مرتكبي العنف للعدالة. أما التكاليف غير المباشرة فتشمل فقدان العمل والإنتاجية، والتكاليف المتكبدة من حيث الآلام والمعاناة الإنسانية. وتتجاوز تكلفة عنف العشير في الولايات المتحدة وحدها 5.8 مليار دولار أميركي في العام. وفي كندا، قدرت دراسة أجريت في عام 1995 التكاليف المباشرة السنوية للعنف ضد المرأة بأكثر من مليار دولار كندي في العام. وقدرت دراسة أجريت في المملكة المتحدة في عام 2004 مجموع التكاليف المباشرة وغير المباشرة للعنف المنزلي، بما فيه الألم والمعاناة، بمبلغ 23 مليار جنيه إسترليني في العام.
أكثر من 200 ألف قاصر تزوجوا رسمياً في الولايات المتحدة بين عامي 2000 و2015، وشكلت الفتيات نسبة 87 في المائة منهم.
وتشير التقديرات إلى أن عدد الذين يجري تهريبهم سنوياً إلى أوضاع منها البغاء أو السخرة أو الرق أو العبودية يتراوح بين 500 ألف ومليوني شخص، معظمهم من النساء والأطفال.
توقفت ملياً عند مراجعتي هذه الإحصائيات، في ظل الحملات الغربية المسعورة الراهنة على المملكة العربية السعودية، تحت غطاء المطالبات بحقوق الإنسان والمرأة، مستغلة هروب الفتاة السعودية رهف وتنافس كل من أستراليا وكندا لمنحها اللجوء إليها. وترسخت القناعة لديّ بأن الغرب يقولون ما لا يفعلون، وأن تلك الحملات لم تأتِ اعتباطاً، بل مبنية استناداً إلى أجندة ثابتة لديهم تسعى إلى سلخ مجتمعنا من قيمه ومبادئه وعاداته تمهيداً لهدم بنائه الشامخ، ليتيسر لهم ابتزازه. وهذا بنظري يمثل الحقبة الجديدة لأسلوب الحروب والاستعمار.
وبالنسبة للمملكة لا تتعدى حالات الهروب وطلب اللجوء السياسي عدد أصابع اليد على مر السنوات الماضية، ولله الحمد، وليست هناك مراكب محملة باللاجئين تبحر من أراضي هذا الوطن. ولكننا نجد أنه عندما تكون هناك حالات شاذة ترتبط باسم المملكة، تسارع بعض الدول والمنظمات الدولية ووسائل إعلامها، وبدعم وتمويل من أعدائنا، لتسليط الأضواء عليها، ويغضون النظر عن مراكب اللاجئين. وهذا ليس مجرد صدفة بل تكرر مراراً، سعياً منهم لاستغلال الحدث في تشويه سمعة المملكة دولياً أملاً في ابتزازها.
فالدول التي سارعت لمنح اللجوء، أو التي تعمل على تشجيع الشباب والشابات السعوديين للجوء إليها، من المؤكد أنه ليس هدفها مناهضة التجاوزات التي يدعونها لحقوق الإنسان أو المرأة؛ لأنه لو كان الأمر كذلك فلماذا لا يعملون جادين على استئصال مثل هذ التجاوزات في أوطانهم، حيث توجد النسبة الأكبر منها عالمياً؟ ولماذا لا يهتمون بأوضاع عشرات الآلاف من المهاجرين الذين يعيشون بأراضيهم منذ سنوات يعانون الأمرين ولم يجدوا إلا المهانة والاستغلال؟ لذلك فإن الهدف الأساسي هو الاستغلال الإعلامي لمثل هذه الحوادث للنيل من شموخ المملكة العربية السعودية، ولن يستطيعوا، بعون الله، فلا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
وبالتأكيد، فإن من أحد الأسباب لحدوث هروب مثل هذه الحالات الفردية لبعض الشباب والشابات السعوديين، وجود بعض الأخطاء والقصور في مجتمعنا، فنحن بشر ولسنا ملائكة. والمملكة تسعى بهمة لتجاوز تلك الأخطاء والمضي نحو التغيير والإصلاح للأفضل. والأمر الأهم في هذا الشأن قناعتنا الراسخة بأن الإصلاح الذي ننشده، ينبع ويبنى من الداخل السعودي مستنداً إلى مبادئنا وقيمنا الراسخة. فالسوابق التاريخية تؤكد لنا فشل محاولات التغيير من الخارج. وأكبر دليل فشل الحقبة الاستعمارية التي انتهجت السياسات المنسجمة مع مفاهيم وقيم فكر الرجل الأبيض المستعمر أسلوباً للتحضر.
وعلى هذا الأساس، بادرت المملكة في غضون السنوات الماضية بتبني مشروعها الإصلاحي الوطني الذي يهدف إلى تحقيق مستقبل مشرق لمواطنيها. وقد اتسمت عمليات الإصلاح بالشمولية والتكامل، حيث تَبنّى البرنامج الإصلاحي السعودي خططاً شاملة تغطي كل الجوانب السياسية والقانونية والإدارية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية. وفي هذا الصدد، أقرت المملكة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 332 وتاريخ 19 شوال 1434ه نظام الحماية من الإيذاء، الذي يجرّم العنف الأسري ويمنح السلطة المعنية التحقيق في مزاعم الإيذاء واتخاذ خطوات لضمان سلامة ضحاياه، ويصرّح لها بإحالة القضايا إلى القضاء الجنائي للتوقيف والملاحقة القضائية والإدانة للجناة وإبعاد من يعيلهم ولي الأمر الذين تعرضوا للإيذاء على يده عن نطاق رعايته. ونحن سائرون بعون الله، ثم بحكمة قيادتنا الكريمة على مواصلة مسار البناء لغد أفضل وبجهود بنات وأبناء الوطن المخلصين جميعاً.
والسبب الآخر لمسلسل الهروب، وهو الأخطر الذي ما زلنا مع الأسف كمجتمع غافلين عنه، يتمثل في تدخلات التيارات المعادية السافرة، كالسفارات والمنظمات الأجنبية، في مجتمع الشباب؛ فهي التي تقوم بإنتاج وإخراج مسلسل هذا الهروب، بالاتصال والتحريض وتيسير إجراءات هروب الشابات والشباب السعوديين ومنحهم اللجوء لاستغلالهم طعماً في محاربة هذا الوطن، حيث نجدها تسعى جاهدة إلى استقطاب الشباب وتحريضهم على استعداء مشروع الدولة والدين والقيم ورموزها، وبث روح اليأس والإحباط بأي غد أفضل. والإغراء أخيراً بأن الوسيلة المثلى لمعالجة الأفق المسدود تتم بتبني فلسفة «الفوضى الخلاقة».
وتقع المملكة اليوم في مرمى نيران هذه التدخلات الأجنبية، حيث تسعى فرق ودول مختلفة للدخول في معترك الشباب واستقطابه من خلال عدد من الفعاليات ودعوتهم للمشاركة بها مثل: برامج القيادات الشابة الصيفية، وحفلات السفارات وندواتها، بل تجاوز الأمر ليصل إلى انضمام ممثلين من بعض السفارات الأجنبية ضمن مجموعات «واتساب» الأكاديمية للطلبة بالجامعات السعودية. وهم يعملون جاهدين من خلال ذلك الاستقطاب على زرع مفاهيم الانسلاخ من الهوية والثوابت والقيم السعودية العربية الإسلامية، وتصوير الانقلاب عليها باعتباره النموذج المثالي والحضاري الذي يحتذى به. وبالتالي يتربصون بالمجتمع ووحدته، بطُعم الحرية والعدالة والكرامة.
والأدهى والأمرّ أن كل ذلك يتم على مرأى ومسمع من بعض الأسر لدينا التي تتفاخر بالدعوات التي يتلقاها أبناؤهم وبناتهم من السفارات والمنظمات الأجنبية. ويغفلون عن أداء أماناتهم بتثبيت التمسك بقيم الشرف والأنفة والكرامة والصدق والحياء والرحمة العربية الأصيلة التي رسخها الدين الإسلامي الحنيف في فكر أنجالهم. ويتناسون زراعة في أذهانهم أيضاً مبدأ أن الوطن ملحمة عشق بين الإنسان والتراب، وأنه لا وطن لدينا إلا الأرض التي نعيش فيها، وليس من قيمنا العربية الأصيلة أن نرخص تراب الوطن الذي ترعرعنا عليه، أو نبيع أنفسنا لأي مخلوق خارج بلادنا.
وإذ إن هذا الأمر يعد عدواناً يستهدف اختراق البناء الداخلي، فإن مواجهته واجب وطني أصيل. وإحدى سبل الحصانة ضد هذا الاختراق، تأتي من خلال تكثيف التوعية الإعلامية لمخاطر هذه التحركات الأجنبية، وتنظيم نشاطات شباب الوطن ودفعها إلى المساهمة بتوعية وحماية الشباب من التحركات الأجنبية والأفكار المتطرفة التي تتربص بالمجتمع وهويته ووحدته، وتكوين نواة لإعلام شبابي يحظى بثقة الشباب، ويسهم في تعزيز مفهوم المواطنة نحو الدين والوطن والقيادة. فمن دون شك، فإن أقوى المؤثرات في الشباب هو مجتمع الشباب نفسه. فللشباب لغة لا يحسنها إلا الشباب، وهناك وسائل وطرق للإقناع لا يملك زمامها إلا من عاشر وخالط الشباب وعرف كيف يفكرون، وما الذي يؤثر فيهم، وكيف يكون الخطاب لكلا الجنسين. كما أنه من المهم أن تتحمل الأسر السعودية مسؤولياتها وتولي اهتماماً ورعاية أكبر لشؤون أبنائها وبناتها.
ختاماً، لا يفوتني مناشدة شبابنا والمنظمات السعودية غير الحكومية السعي للحوار وتقديم العون والمساندة الممكنة لمن غرر بهم من أبنائنا وبناتنا وهربوا إلى الخارج ومساعدتهم لعدم الانجراف لأمور سيئة، وإقناعهم بالعودة للعيش والعمل في وطنهم.
والله ولي التوفيق...