د. عبد العزيز بن عثمان بن صقر
TT

المركز الدولي لمكافحة الإرهاب.. وخيبة أمل الملك عبد الله

تضمن خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز توضيح موقف المملكة العربية السعودية من ظاهرتي التطرف والإرهاب والارتباط الوثيق بينهما، وكذلك من ظاهرة سلوك الفئات الشاذة التي تسيء إلى الدين الإسلامي الحنيف وتعمل على تشويه مبادئه السمحة وتوظيفه من أجل خدمة أهدافها ومصالحها الضيقة.
لقد حمل خطاب خادم الحرمين الشريفين إلى جانب الإدانة الواضحة والصريحة للفئات المارقة التي تستغل الدين الإسلامي لدعم نواياها الشريرة، خيبة أمل وعتابا مرا على موقف المجتمع الدولي وسياسته تجاه التعامل مع ظاهرة الإرهاب بجميع أبعاد وأسس هذا التعامل، ولكن يظل هناك جانب مهم في الخطاب الملكي يركز حول تساؤل مشروع طرحه خادم الحرمين الشريفين بشأن موقف المجتمع الدولي، وتحديدا الدول الكبرى المعنية بمكافحة الإرهاب، تجاه المبادرة التي طرحها خادم الحرمين الشريفين قبل عشرة أعوام والتي تضمنت الدعوة لتأسيس «المركز الدولي لمكافحة الإرهاب»، حيث أعاد الذاكرة قائلا:
«أذكرُ من مكاني هذا بأننا قد دعونا منذ عشر سنوات في مؤتمر الرياض إلى إنشاء (المركز الدولي لمكافحة الإرهاب)، وقد حظي المقترح بتأييد العالم أجمع في حينه، وذلك بهدف التنسيق الأمثل بين الدول، لكننا أصبنا بخيبة أمل بعد ذلك بسبب عدم تفاعل المجتمع الدولي بشكل جدي مع هذه الفكرة، الأمر الذي أدى لعدم تفعيل المقترح بالشكل الذي كنا نعلق عليه آمالا كبيرة».
والسؤال المنطقي الذي ينبع من الطرح الذي قدمه خادم الحرمين الشريفين هو لماذا تم التغاضي وإغفال المبادرة والمشروع السعودي لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب طيلة هذه المدة الطويلة، في حين أصبحت مهمة مكافحة الإرهاب المحور الأساسي لسياسات الدول الغربية، بل تعتبر السياسة الدفاعية والاستراتيجية لهذه الدول مهمة مكافحة الإرهاب قضيتها الأساسية. ما طرحه خادم الحرمين الشريفين قبل عشر سنوات كان تلبية لحاجة إقليمية ودولية استشعرت القيادة السعودية بوجوب المساهمة في تلبيتها، عبر طرح مبادرة مشروع إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب والتعهد بتقديم الدعم المالي والمعنوي لترجمة الفكرة إلى واقع وتوفير الدعم لاستمرار المشروع وتطويره.
وكما أشار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في كلمته أن المقترح السعودي حظي بتأييد العالم أجمع في حينه، ولكن «خيبة الأمل» السعودية جاءت بعد اكتشاف القيادة السعودية حقيقة عدم وجود رغبة أو نية صادقة لدى القوى الفاعلة في المجتمع الدولي لتفعيل المشروع.
وخيبة أمل خادم الحرمين الشريفين لها مبرراتها المنطقية؛ فالمملكة العربية السعودية تعد من أكثر دول العالم التي استهدف الإرهاب مواطنيها، واستهدفت الجماعات الإرهابية شبابها للتغرير بهم وتجنيدهم للنشاطات الإرهابية، وحكومة المملكة العربية السعودية ومؤسساتها الأمنية تعد من أكثر الحكومات والمؤسسات في العالم التي اكتسبت خبرة ودراية في مهمة مكافحة الإرهاب، وأصبحت المؤسسات الأمنية السعودية تمتلك الريادة في ابتكار أساليب متطورة لمكافحة التطرف والإرهاب وإصلاح وإعادة تأهيل الشباب المغرر بهم، لذلك لم يكن من الغريب على قيادة المملكة أن تأخذ المبادرة في طرح مشروع إنشاء المركز الدولي والتبرع برعايته.
ويبقى سؤال خادم الحرمين الشريفين قائما حول لماذا لم تتم الاستجابة للمبادرة السعودية، رغم الترحيب المبدئي بالفكرة، والتأكيد على أن المشروع يصب في خدمة الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب. في تصورنا أن الموقف السلبي من المشروع السعودي كان منبعه الأساسي هو عدم رغبة الدول الكبرى في الاعتراف بالدور السعودي في مكافحة الإرهاب، والرغبة في إبقاء هذه المهمة حكرا على هذه الدول. فالمشروع السعودي قدم فكرة ناجحة وضرورية وفي حالة السماح لهذه المبادرة بالتحول إلى مشروع عملي ناجح فإن رصيد النجاح سيكون من نصيب المملكة، على حساب الدول الكبرى التي تدعي قيادة الحرب الدولية على الإرهاب، لذلك فرغم الترحيب بالمبادرة فقد تم العمل على مدار السنوات العشر الماضية على منعها من أن تترجم إلى مشروع حقيقي. والأمر الآخر الذي يعتقد أنه أثر على حسابات هذه الدول في اتخاذ قرار تبني موقف سلبي تجاه المشروع السعودي، هو أن مشروعا مثل هذا له أبعاد دولية سيؤدي إلى دحر الافتراءات التي لا تزال توجه للمملكة كل يوم بدعوى أنها دولة ترعى النشاطات الإرهابية، وهذا أمر لا ترغب فيه معظم الدول الكبرى التي تحاول جاهدة تعزيز الاتهامات الباطلة ضد المملكة، وتشويه صورتها. فتغير صورة المملكة وإبعاد شبهات رعاية الإرهاب عنها لا يعد مرغوبا فيه في العالم الغربي، حيث إن تعبئة الرأي العام الدولي في تعميق النظرة السلبية إلى المملكة العربية السعودية جزء من الصناعة السياسية والإعلامية لهذه الدول، كما أن عدم الاعتراف بجهود المملكة ونجاحاتها في مكافحة الإرهاب يعد جزءا مهما من الصورة النمطية التي يحاول الغرب المحافظة عليها.
لذلك فإن تساؤلات خادم الحرمين الشريفين في هذا الصدد هي تساؤلات مشروعة، خاصة بعد مضي عقد زمني كامل على طرح المبادرة السعودية لتأسيس المركز الدولي لمكافحة الإرهاب من دون اتخاذ المجتمع الدولي أي خطوة لتنفيذها على أرض الواقع رغم عدم وجود عوائق مالية أمام المشروع، وعدم وجود أي طرف معارض أو رافض له، لذلك فإن القضية الأساسية لا تكمن في فكرة تأسيس مركز دولي لمكافحة الإرهاب التي قوبلت بالترحيب والثناء من جميع الأطراف، بل تكمن في الرغبة في تحييد الدور السعودي في مهمة مكافحة الإرهاب العالمي، والرغبة في إبقاء واستمرار وتنامي التصورات الكاذبة وغير الحقيقية حول المملكة بحجة أنها دولة راعية للإرهاب، وليست دولة تعاني من الإرهاب وتكافح الإرهاب بنجاح قل نظيره.
* رئيس مركز الخليج للأبحاث