بوبي غوش
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

أمل تونس الأخير في إصلاح اقتصادي

بعد ثماني سنوات من اندلاع شرارة الربيع العربي تستعد تونس مرة أخرى لمواجهة اضطراب سياسي خلال عام 2019، ويخوض رئيس الوزراء يوسف الشاهد صراعاً مع الرئيس السبسي، الذي انسحب بدوره من شراكة دامت لأربعة أعوام مع حزب النهضة، الذي يعد أكبر حزب في البرلمان. ويتعرض الشاهد لضغط متزايد من اتحادات القطاع العام بسبب الرواتب، وبيع الشركات المملوكة للدولة. على الجانب الآخر، يشعر جيل جديد من الشباب، الذي يعاني من البطالة، بالاستفزاز والغضب، حيث ألهمت احتجاجات «السترات الصفراء»، التي شهدتها فرنسا، بعضهم السعي وراء تدشين حركة «السترات الحمراء».
لن يعود أيٌّ من هذا بالنفع على الاقتصاد التونسي، حيث يحتاج الشاهد إلى تأسيس جمعية وطنية جديدة قبل ترشحه المحتمل للرئاسة خلال العام المقبل. لذا من غير المرجح أن يتقبل أو يحتمل الدواء المرّ الذي وصفه صندوق النقد الدولي مقابل منحه قرضاً بقيمة 2.9 مليار دولار على أقساط. ويعارض موظفو الحكومة، الذين تمثل رواتبهم نصف موازنة الدولة، ويمثلون كتلة انتخابية قوية، الكثير من الإصلاحات.
ربما يتجسد الأمل الأخير في تحقيق أي انضباط اقتصادي في شخص بعيد تماماً عن المشهد السياسي الفوضوي في البلاد، وهو مروان العباسي، محافظ البنك المركزي التونسي.
وقد نجح المسؤول السابق في البنك الدولي وأستاذ الاقتصاد، في فرض سياسة نقدية متماسكة ومحكمة، وكذلك في التنسيق مع وزراء آخرين لتلبية شروط صندوق النقد، ويتفاوض على اتفاقات مع الجزائر وليبيا ستتيح لتونس شراء النفط بعملتها، مما يخفف الضغط الواقع على احتياطي النقد الأجنبي.
وقد وضع العباسي قيوداً على الإنفاق من خلال تقييد شروط الحصول على قروض، وزيادة معدل الفائدة الأساسي من 5% إلى 5.75% خلال شهر مارس (آذار)، ثم إلى 6.75% خلال شهر يونيو (حزيران). وقد قاوم منذ ذلك الحين دعوات صندوق النقد إلى رفع أسعار الفائدة مرة أخرى، وتحدى التوقعات الرهيبة بحفاظه على معدل التضخم عند 7.5%. كذلك سمح العباسي للدينار بالضعف بانتظام بما يتوافق مع توصيات صندوق النقد الدولي.
يقول فرانسيس غايلز، الذي يدرس شؤون شمال أفريقيا وغرب البحر المتوسط في «مركز برشلونة للشؤون الدولية»: «لقد أبلى بلاءً حسناً في احتواء الأمور». وقد دفع أداؤه بالفعل باتجاه عقد مقارنة بينه وبين عبد اللطيف الجواهري، محافظ البنك المركزي المغربي، المحافظ الأكثر احتراماً بين محافظي البنوك المركزية في دول شمال أفريقيا.
هناك الكثير من الأمور التي سارت لصالح العباسي، ففي العام الذي كان يتعرض فيه رؤساء بنوك مركزية في دول مثل الولايات المتحدة والهند لضغوط من جانب قادة سياسيين شعبويين، كان العباسي يتمتع بقدر كبير من الاستقلال بفضل قانون صدر عام 2016 يمنح البنك المركزي سيطرة كاملة على السياسة النقدية للبلاد. كذلك انتفع العباسي بما تمتع به من سمعة طيبة وأمانة وإخلاص وكفاءة وأيضاً من عدم ارتباطه بأي حزب سياسي.
هناك نقاط مضيئة أخرى في الاقتصاد، فقد ساعدت وصفة صندوق النقد الدولي في خفض عجز الموازنة بفضل زيادة الضرائب من بين أمور أخرى، ومن المتوقع أن يصل إجمالي الناتج المحلي إلى 2.8% بعدما كان 2% خلال عام 2017. ويبدو أن قطاع السياحة، قد تعافى من صدمة الهجمات الإرهابية التي شهدتها البلاد خلال عام 2015.
مع ذلك سيجلب عام 2019 معه تحديات أكبر؛ إذ من المتوقع أن يرى المرء من الآن وحتى وقت إجراء الانتخابات المزيد من الضغوط (على العباسي) من جانب رئيس الوزراء. كذلك يهدد موظفو الحكومة، الذين دعوا إلى تنظيم إضراب على مستوى البلاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بإضراب آخر.
سيكون من الصعب بمكان الحفاظ على سياسات نقدية محكمة ومتماسكة في خضمّ حملة انتخابية تعجّ بالأحقاد والضغائن. وسيواجه العباسي مشكلات ملحّة أخرى، فمن المتوقع أن يؤدي عجز الحساب الجاري إلى ثبات إجمالي الناتج المحلي عند 9% تقريباً في نهاية العام الحالي، ويغطي احتياطي النقد الأجنبي، البالغ 4.6 مليار دولار، بالكاد قيمة صادرات لمدة ثلاثة أشهر. وسوف تبلغ تكلفة خدمة الدين الأجنبي التونسي، وقيمته 30 مليار دولار، 3 مليارات دولار في عام 2019.
مع ذلك ليست مسؤولية محافظ البنك المركزي حل كل تلك المشكلات، لكنها ستظل تعيق قدرته على التعامل مع المشكلات التي تقع في نطاق مسؤوليته. لذلك مع اقتراب عام يحمل بذور الاضطراب والصخب لتونس، ينبغي مراقبة مروان العباسي.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»