دانيال موس
TT

المواجهة بين أميركا والصين ليست «حرباً باردة»

لا يمثل انهيار قمة زعماء آسيا والهادئ، خلال نهاية الأسبوع الماضي، في دولة بابوا غينيا الجديدة، نهاية العالم. في الحقيقة لن تتغير العلاقات الاقتصادية بين الدول الإحدى والعشرين كثيراً، حيث يحتاج أكثر تلك الدول إلى كلٍّ من الصين والولايات المتحدة، وستحصل على دعم كلتيهما.
فشل زعماء دول منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والهادئ «آبيك» في التوصل إلى اتفاق على البيان الختامي للمرة الأولى منذ بدء اجتماعاتهم عام 1993، وكان السبب في ذلك هو الخصومة والتنافس بين أميركا والمملكة الوسطى. وقد شبّه المراقبون ذلك التوتر بالحرب الباردة.
مع ذلك لا يفيد ذلك التشبيه كثيراً، فقد أصبحت بيانات المنظمة بلا معنى منذ مدة طويلة. وقد جعل توسع نطاق عضوية المنظمة لتضم مناطق بعيدة عن قلب آسيا مثل بيرو وروسيا، من الصعب التوصل إلى حل بشأن أي موضوع جوهري. لقد تحولت «آبيك» كثيراً عن حالها أيام مجدها في منتصف التسعينات، حيث أصبحت اليوم أشبه بمساحة يجتمع فيها الزعماء والقادة للحوار والحديث. وتعني العضوية، التي تتسم بالتنوع ذي العناصر المتباعدة، إصدار بيانات أشبه بالخطب الإنشائية.
من الجيد أن تجتمع تلك الدول في منتدى، لكن لا ينبغي منح هذا المحفل حجماً أكبر من حجمه. كثيراً ما يتم تصوير صعود الصين على أنه نهاية للتفوق والسيادة الأميركية المطلقة. وربما تظن مما قيل أنه لا أهمية للولايات المتحدة، لكنّ هذا أبعد ما يكون عن الصحة، فكثيراً ما تقودنا سلاسل التوريد العالمية المنتشرة والمتشعبة في شرق آسيا إلى شركات مقرّها في الولايات المتحدة، وقد تم وضع نموذج تطوير كامل على أساسها.
من المعقول تصور أن الصدام التجاري بين الولايات المتحدة والصين يعزز ويقوّي بالفعل تلك السلاسل. سوف يعزز خروج التصنيع والتجميع من الصين إلى دول أكثر تقارباً مع الولايات المتحدة في المنطقة النفوذ الأميركي.
كثيراً ما يتم التقليل من شأن هيمنة الدولار الأميركي، رغم ارتباط الكثير من العملات الآسيوية به باستثناء اليوان الصيني. وقد يصبح ذلك لعنة، فخلال الفترات التي يتمتع فيها الدولار بقوة كبيرة، في أكثر الأحوال نظراً إلى تطبيق سياسة نقدية أكثر صرامة وتقييداً من جانب مصرف الاحتياطي الفيدرالي، تشعر الأسواق الناشئة في آسيا بأثر ذلك، وما تلبث أن تستجيب السياسة للقوى المحركة الأميركية أكثر مما تستجيب لما يفعله بنك الصين الشعبي (البنك المركزي الصيني).
وقد أثنى صندوق النقد الدولي مؤخراً على إندونيسيا لاستجابتها النموذجية لآخر الاضطرابات في الأسواق الناشئة. إذا كانت هناك حاجة إلى عملية إنقاذ من المرجح أن يتقدم صندوق النقد الدولي لتنفيذها لا الصين، فالولايات المتحدة هي أكبر مساهم فيه بل والأكثر تأثيراً.
كذلك يتنامى النفوذ الاقتصادي الصيني، حيث تشير التوقعات إلى تجاوز إجمالي الناتج المحلي الصيني إجمالي الناتج المحلي الأميركي بحلول 2030، ويرافق ذلك بعض قوة الجاذبية، وهذا يحدث بالفعل سواء فشلت القمة أم لا. وتزيد الشركات الصينية استثماراتها الأجنبية المباشرة في جنوب شرقي آسيا بشكل كبير، ويمثل ذلك مواجهة للهيمنة التقليدية للشركات الأميركية واليابانية. مع ذلك من المعروف تاريخياً أن دولاً مثل إندونيسيا تحتاط وتحترس من الزيادة الكبيرة للنفوذ الصيني. ومن غير المتوقع أن تسارع شخصية ذات توجه قومي مثل الرئيس جوكو ويدودو، الذي يستعد للترشح لفترة رئاسية جديدة خلال العام المقبل، نحو تقبل الصين والترحيب بها.
تحبّذ دول كثيرة استمرار نفوذ الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه الثروة المضافة التي يمكن تحقيقها من الوجود الصيني، حيث تلعب تلك الدول على الجانبين منذ فترة، وتستطيع مواصلة القيام بذلك. صحيح أن الولايات المتحدة والصين تتنافسان على النفوذ، لكن لا يؤدي تزايد التنافس والخصومة بالضرورة وبشكل حتمي إلى نتائج كارثية، فهو تنافس على النفوذ داخل نظام رأسمالي شامل، وتعد الصين جزءاً من النظام الرأسمالي العالمي على عكس الاتحاد السوفياتي. المنافسة تطوُّر وتحوُّل وليست ثورة أو تمرداً.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»