شريا أوفيد
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

حنين «فيسبوك» إلى الماضي لن ينفعها كثيراً

لا تميل شركات التكنولوجيا إلى النظر للوراء لأن تلك العادة باتت من سمات الشركات القديمة المتحجرة، فيما تنظر المؤسسات الاقتصادية الجديدة المتألقة إلى الأمام دائماً. لكن مؤخراً، حدث العكس عندما عادت شركة «فيسبوك» بنظرها إلى الوراء لتستلهم ثقة مستخدميها وتزرع فيهم الثقة بمستقبلها.
في الشهور الأخيرة، لاحظنا أن مسؤولي شركة «فيسبوك» ومسانديها كثيراً ما عادوا بنظرهم للوراء، تحديداً إلى الفترة التي اجتازوا فيها عقبة كان من الممكن أن تعيق عملها. فقد تزامن عرض الشركة للاكتتاب العام في 2012 مع تسارع الناس لاستخدام الإنترنت والهواتف الذكية أكثر من استخدام أجهزة الكومبيوتر الشخصية. ويبدو أن «فيسبوك» قد أُخذت على حين غِرة عندما أُجبرت على ذلك التغيير، فجاءت تطبيقاته عبر الهواتف الذكية معيقة ولم تكن لها استراتيجية واضحة لجلب عائدات الإعلانات من خلال متصفحي الموقع عبر الهواتف الذكية. كان الانتقال إلى الهاتف الجوال الكارثة الأكبر التي حلّت على شركة صغيرة صمدت طويلاً.
ما حدث لاحقاً شكّل الخط الأساسي الذي حدد مسار «فيسبوك» ونهجها، فقد حشد مديرها التنفيذي مارك زوكربيرغ جهود شركته ومواردها لإنجاح الشركة في أوج ازدهار الهواتف الذكية، وبالفعل أطلقت الشركة استراتيجية إعلانية ناجحة تعمل مع الهواتف الذكية، لتصبح «فيسبوك» بعدها في طليعة الفائزين في عصر تكنولوجيا الهواتف الجوالة.
والآن فإن «فيسبوك» تريد إقناع الناس بأن أزمة التحول إلى الهواتف الجوالة تشبه الأزمة التي تمر بها الشركة في الوقت الحالي. وفي تصريح لقناة «بلومبيرغ تليفجن» الأميركية، ذكرت المديرة المستقلة لشركة «فيسبوك»، سوزان ديزموند هلمان، أن مجلس إدارة الشركة يثق كل الثقة بقيادة زوكربيرغ، وهو ما تجلى في معضلة الهواتف الذكية، حسب هلمان. وذكرت هلمان نصاً الشهر الماضي، أن «الانتقال بـ(فيسبوك) من مرحلة الكومبيوتر المكتبي إلى الهاتف الجوال كان خطوة جبارة تجسد حسن قيادته، وكانت تلك الخطوة بالفعل تغييراً ضخماً في (فيسبوك)». وعلى نفس المنوال، استخدم دون غراهام، المدير التنفيذي السابق لصحيفة «واشنطن بوست» ومعلّم زوكربيرغ، مؤخراً نقلة «فيسبوك» ذاتها من الكومبيوتر المكتبي إلى الهواتف الجوالة عام 2012 ليؤكد قدرة زوكربيرغ على نقل الجبال من مكانها.
والشهر الماضي، قال مدير التسويق لـ«فيسبوك» كاريلون إيفرسون، في مقابلة صحافية: «إن إصرار (فيسبوك) على إيقاف التدخل في الانتخابات وعلى حماية بيانات المستخدمين والتصدي لانتشار المعلومات المغلوطة، جميعها إنجازات تفوق كل ما سبق». واستطرد إيفرسون بقوله، «لقد شاهدت العديد من المراحل الانتقالية، لكن المرحلة التي يتحدث الجميع عنها هي تلك المرحلة التي حتّمت على الشركة الانتقال إلى الهاتف الجوال. كانت تلك النقلة الثقافية هي الأهم في (فيسبوك)». وفي حوار جرى عبر خاصية «الكونفرنس» الأسبوع الماضي، قارن زوكربيرغ فترة النمو التي شابها الكثير من التحديات مع زوبعة العائدات بعدما انتقلت الشركة إلى الهواتف الجوالة.
إن العودة إلى ثورة انتقال «فيسبوك» إلى الهواتف الجوالة لها نفس السبب، وهو تذكير الناس بأن «فيسبوك» قد حلت مشكلة وجودية من قبل، وأنها قادرة على مواجهة التحديات الاستراتيجية والاجتماعية والمالية القادمة.
أصبحت عبارة «تذكّروا الهاتف الجوال» بمثابة تعويذه «فيسبوك»، لكنني لا أعتقد أن تلك اللحظة المثيرة ستكون الملهم في مواجهة التحديات الآنية في كل شيء بدءاً من تباطؤ النمو وتغيير عادات الإنترنت وانتهاءً بالمعلومات المغلوطة وإساءة استخدام الإنترنت.
الأسوأ هو أنني أخشى أن تتسبب عادة «فيسبوك» القديمة في تحدي المشككين في أن تعمي أعين القائمين عليها عن الاستماع للنقد المشروع. «فيسبوك» تستحق الثناء على نجاحها في صياغة استراتيجية للعمل عبر الهواتف الذكية في الوقت الذي يشكك الكثيرون في نجاحها في ذلك. لكن «فيسبوك» لا تستطيع استغلال نجاحها في الهواتف الذكية لزرع الثقة في كل شيء تفعله. أولاً، «فيسبوك» ليست بالبصير الموثوق به في ما يخص تحديد الاتجاهات العامة في الإنترنت. ثانياً، أصبحت التحديات التي تواجهها «فيسبوك» في الوقت الحالي أعمق وتتعرض لمجالات لا تتمتع فيها «فيسبوك» بالقوة الكافية.
في ما يخص قدرات «فيسبوك» على التنجيم، فإن تاريخها الحديث يتضمن فشلاً في معرفة التغييرات في السلوك عبر الإنترنت. فقد أشرت مؤخراً إلى أن «فيسبوك» قد راهنت بقوة على المقاطع المصورة عبر الإنترنت، وهو نفس ما فعلته مع الهواتف الذكية، لكن زوكربيرغ مخطئ هذه المرة. فالمقاطع المصورة أشبه بنشاط عابر، فهي ليست سمة دائمة للحياة في الإنترنت.
لكنّ هذه المرة مختلفة عن المرة التي عالجت فيها «فيسبوك» مشكلة الهواتف الذكية.
لقد كانت «فيسبوك» على حق في هذا الوقت، لكنّ ذلك لا يجعلها معصومة من الأخطاء القادمة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»