د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

إيران... «على نفسها جنت براقش»

جاء شهر نوفمبر (تشرين الثاني) واللحظات المصيرية التي تنتظر النظام الإيراني بعد مرحلة طويلة من التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، وتدبير المؤامرات، وتمويل حركات التمرد في الدول.
أهلّ الخامس من نوفمبر اليوم الاثنين الذي سيبدأ فيه فرض العقوبات القاسية على إيران، نظراً لمؤامراتها الشنيعة والمتتابعة في نشر الفوضى والإرهاب في المنطقة والعالم أجمع.
نعلم أن أول مؤشرات التغير الذي سوف يحدث في إيران ظهر في سوريا، حيث بدأ النفوذ الإيراني بالتقلص منذ تدخل روسيا في سوريا لإنقاذ النظام السوري، إذ أكدت أجهزة استخبارية إسرائيلية أن إيران سحبت معظم عناصر «الحرس الثوري» من سوريا في أعقاب الخسائر الفادحة التي منيت بها في المعارك التي دارت تحديداً في الشمال السوري آنذاك.
حدث ذلك بعد أن تغيرت المعادلة على الأرض في سوريا، وتقاطعت المصالح الدولية بدخول فرنسا وأميركا على الخط بدعمها لقوات سوريا الديمقرطية التي يهيمن على معظمها الأكراد، وكذلك الضربات الصاروخية الإسرائيلية على القواعد الإيرانية، حيث شنت إسرائيل ضربات صاروخية وغارات جوية على مواقع متفرقة للميليشيات الإيرانية والنظام، وذلك رداً على استهداف إيران مناطق في الجولان السوري بعدد من الصواريخ، وطال هذا الخطر «حزب الله» اللبناني حليف إيران، حيث بدأ يشعر أنه دخل في مستنقع كما حدث لإيران، إذ ذكر المعلق في صحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية، روعي كييس أن «حسن نصر الله غارق في المستنقع السوري الذي يستنزف منه آلاف العناصر»، مشيراً إلى أن الظروف الموضوعية تقلص من قدرة «الحزب» على الرد، ونقل عن مصادر عسكرية إسرائيلية قولها، إن «حزب الله» فقد حتى الآن ألفي عنصر، في حين أصيب الآلاف من جنوده بجراح في المواجهات داخل سوريا.
وعلى الصعيد السياسي، تم استبعاد إيران من آخر قمتين للرؤساء المعنيين بالقضية السورية، اللتين عقدتا في تركيا، وهكذا بدأت إيران تشعر أنها خارج اللعبة السياسية في سوريا.
كذلك من الإخفاقات الرئيسية التي وقعت فيها إيران أن استراتيجيتها بُنيت على مبدأ خاطئ، وهو التوسع غير المحسوبة عواقبه، فكان من نتائج ذلك أن هذا التوسع الذي امتد إلى أقصى أفريقيا، بالتحالف مع «حزب الله» اللبناني والميليشيات التي كونتها في العراق، وكذلك في اليمن، بتحالفها مع الحوثيين... جعلها بعيدة عن الإمداد والتموين، وهذا يذكرنا بالخطأ الذي وقع فيه هتلر في الحرب العالمية الثانية، فكان من أهم أسباب هزيمة هتلر توسعه الكبير وابتعاده عن مصادر التموين رغم القوة التي كان يملكها.
ومما يزيد الأمور تعقيداً بالنسبة لإيران، الوضع في الداخل، حيث تمردت مكونات الشعب الإيراني، إذ بدأت بالمظاهرات احتجاجاً على البطالة والفقر وارتفاع الأسعار ترافقها شعارات ومتطلبات اقتصاد، وتمت الدعوة للمشاركة في المظاهرة، التي كانت تسمّى في البداية «لا للغلاء»، على الشبكات الاجتماعية، ضد الحكومة المركزية في طهران، إضافة إلى عقوبات المرحلة الثانية الأميركية التي تنتظر إيران والتي ستطبق اعتباراً من اليوم الاثنين، حيث ستبدأ الحزمة الاقتصادية الأكبر من العقوبات على النفط والطاقة والدولار والبنوك والمحاصرة لبيع النفط الإيراني، والقائمة السوداء لمن يتعاون مع النظام، مما ينبئ بانهيار اقتصادي هائل، وهكذا تدور الدوائر على إيران، وعلى إرهابها وميليشياتها.
النظام الإيراني هو سبب كل الاضطرابات التي حدثت في المنطقة، وهو الذي جعل معظم دول العالم تناصبه العداء، وكما يقول المثل «على نفسها جنت براقش»، عندما اتضح أنه وراء كل العمليات الإرهابية التي تحدث، ولم يقتصر إرهاب النظام الإيراني على المنطقة فحسب، بل امتد إلى أوروبا وساحات أخرى من الكرة الأرضية، حيث اتهم رئيس الاستخبارات الدنماركية فين بورش أندرسن، النظام الإيراني، بالتخطيط لاعتداء إرهابي من قبل إيرانيين يعيشون في الدولة الاسكندنافية على علاقة مع الاستخبارات الإيرانية، لارتكاب اعتداءات ضد إيرانيين في الدنمارك، وتم اكتشاف محاولة لاغتيال رئيس جبهة النضال العربي الأحوازي، الذي يقيم في الدنمارك، كذلك كان للنظام الإيراني الإرهابي في فيينا عام 1989 يد في قتل عبد الرحمن غاسيمولو، الذي كان يترأس «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، وعندها قامت السلطات النمساوية باعتقال أشخاص ذوي علاقة بالنظام الإيراني، بعضهم يحملون جوازات دبلوماسية إيرانية.
أما في ألمانيا، فقد قام النظام الإيراني الإرهابي بعملية اغتيال 4 أكراد عام 1992، وأصدرت المحكمة الألمانية الحكم آنذاك على رئيس الاستخبارات الإيرانية الذي أصدر أمراً بالعملية الإرهابية، وهناك العملية الإرهابية ضد السياح في قبرص عام 2012، وغيرها كثير من محاولات قتل المعارضين للنظام الإيراني في مختلف دول أوروبا.
من هنا تأتي المطالبات المتعددة لفرض عقوبات أوروبية جديدة على إيران، بسبب العمليات الإرهابية على أراضٍ أوروبية، وها هي كبرى الشركات الأوروبية تهرب من إيران مثل «توتال» و«بيجو» و«رينو» الفرنسية، وكذا «سيمنس» و«دايملر» الألمانيتين... وغيرها، فأكثر من مائة شركة تعلن خروجها من إيران. الأيام المقبلة ستكون مصيرية للنظام الإيراني الذي ترك بصماته الإرهابية في أغلب مناطق العالم، وجاء الوقت الذي تقرر فيه دول العالم مصير هذا النظام، عندها نقول: تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.