لم يكن ترمب مازحاً حين تحدّث عن عزمه تصنيف جماعة «الإخوان» منظّمةً إرهابية وأنه يُعِدّ الوثائق لذلك. هذا العزم القويّ أشعل الجدل الحيوي في المجال العام عندنا؛ وبنظري أننا استفدنا منه حتى الآن بنقطتين أساسيتين.
الأولى: إعادة إبقاء المعركة مع «الإخوان» وفروعها مستمرّة ومستعرة مهما كانت صعوبات التنفيذ، وذلك بغية كسر طاقتها الحركية في العالم، لأن نسيان تأُثيرها، أو عدم شلّ حركتها، أو إبطاء سَنّ قوانين تجريمها، تعني امتدادها، وآيةُ ذلك أن الجماعة بُنيت على مقولات ماكرة منها أنهم يعدّون عملهم الحركي الاجتماعي والمؤسسي يعتمد على التقادم الزمني لا على الحالة اللحظية؛ كبقية الجماعات الإرهابية.
الأخرى: أن السجال نقض حجّة انتهاء الإسلام السياسي وهدّها من أساسها. فحين يتحدّث رئيس أميركا عن التهديد الإخواني، فإن المعنى المباشر يؤكد حضور وتأثير هذه الجماعة ومؤسساتها. لقد بيّن العزم الأميركي على سنّ قانون يجرِّم فروع «الإخوان» أن أفكار نهاية الإسلام السياسي متسرّعة، وأن فروعها ومؤسساتها فاعلة وقائمة.
نعم؛ ثمة وعورة في درب التصنيف، منها أن تكون فروع جماعة «الإخوان» منظّمة أجنبية وليست محلية؛ بمعنى ألا يمارس التنظيم أنشطته حصرياً داخل الولايات المتحدة، بالإضافة إلى إثبات نشاط الجماعة الإرهابي، والتحقق الأمني من ارتباطها بجماعاتٍ إرهابيةٍ أخرى، بالإضافة إلى الاقتناع بكون هذه الجماعة تشكّل تهديداً فعلياً للأمن القومي الأميركي.
هذا كله معروف. أما العمل الإجرائي التقني؛ بدءاً من أدلة الاستخبارات، التي ستُعرض على وزارة الخارجية، ومن ثم عرض كل ذلك على الكونغرس... فكله أداء تقني واعتيادي؛ ولكن الأساس هو العزم الحقيقي من ترمب على تجريم هذه الجماعة، وبعد ذلك من السهل تعبيد الطريق.
يرى الصحافي المختصّ بالشأن الأميركي بيير غانم أن «الإخوان المسلمين ليسوا مسجّلين كـ(تنظيم) في أميركا، ولكنَّ مقاربة الأميركيين تقول إن لدى التنظيم العديد من المنظّمات التي تتصل بهم، ومنظّمة (كير) هي واحدةٌ من هذه المؤسسات التي تعد متصلة بـ(الإخوان)، وبالتالي هناك العشرات من المؤسسات التي تتوجه نحوها الشكوك بأنها متصلة بالتنظيم الإخواني، وكلها ستضطر بأمرٍ من الحكومة الأميركية إلى التوقف عن العمل وربما مصادرة أراضيها وممتلكاتها وأموالها، والأمر الذي سيدفع (الإخوان) ثمنه غالياً أن المنابر التي كانوا يتمتعون بها على الأرض الأميركية، سيُحرمون منها، والحزب الجمهوري في الكونغرس أعدّ الكثير من الوثائق، والرئيس الأميركي باتخاذه هذه الخطوة هو عمليّاً أخذ الطريق الأقصر».
ما من صعوباتٍ جمّة تعتورُ هذه الخطوة الترمبية، بل إن تنفيذها له تبريرات إقليمية وعالمية، لقد أثبتت أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 خطورة تنظيم «الإخوان» وفروعه على حيوية العالم.
قبل أيام قرأتُ دراسة مشتركة بعنوان: «نهج أكثر فعالية لمواجهة (الإخوان المسلمين)» للباحثَيْن مايكل جيكوبسون وماثيو ليفيت، نُشرت في موقع «معهد واشنطن»، وهي طويلة، ولكن أقتبس منها الآتي: «تصدق الأدلة على المخاوف الأميركية بشأن (الإخوان المسلمين)، بخاصة أن إدارة ترمب تهدف إلى تجاوز وقف إطلاق النار في غزة لبناء شرق أوسط أكثر استقراراً وسلاماً. لكن اتخاذ إجراء شامل ضد الجماعة بأكملها سيكون غير منتج وغير فعال. بدلاً من ذلك، ينبغي للإدارة أن تنظر من كثب في كيانات (الإخوان) التي تقدم دعماً مالياً لـ(حماس) كأهداف محتملة، كإرهابيين عالميين محددين بشكل خاص. كما ينبغي لها أن تصنف تلك الفروع المرتبطة بالعنف كمنظمات إرهابية أجنبية. في الوقت نفسه، ينبغي لها أن توفر إطاراً قانونياً قوياً لمتابعة منظمات (الإخوان) باستخدام أدوات العقوبات وإنفاذ القانون على حد سواء؛ على جبهة تمويل (حماس)، ينبغي للسلطات أولاً أن تركز على الكيانات الواقعة تحت (ائتلاف الخير) و(اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا) و(المؤتمر الشعبي للفلسطينيين في الخارج). لن يكون تأثير العقوبات الأميركية الأحادية بعيد المدى بمفرده، ومن المرجح أن تتخذ الحكومات الرئيسية الأخرى -بخاصة في أوروبا- خطوات مماثلة إذا اقتنعت بأن الإجراءات الأميركية سليمة قانونياً وتستند إلى معلومات ملموسة وموثوقة».
الخلاصة؛ إن تصنيف «الإخوان» له إجراءاته العملية والتقنيّة والقانونية بالتأكيد، لكنه ليس صعباً كما يتصوّر البعض، لأن الإشارات الاستخبارية الأميركية ثبت لديها أن هذه الجماعة لديها نزعات انفصالية في الشرق الأوسط وتمدد ماكر في أميركا والعالم، وهذا الانتباه الأميركي مهم، ومن الممكن أن تتَّبعه أوروبا ودول عربية وإسلامية لم تصنّف التنظيم بعد؛ بغية حماية أمن الأمم.
