د. كريم عبديان بني سعيد
ناشط حقوقي ومهتم بقضايا إيران
TT

غضب شعوب إيران والمنطقة من نظام ولاية الفقيه

تحاول الماكينة الدعائية التابعة للنظام الإيراني تصوير الأوضاع المضطربة في البلاد على أنها أمور طبيعية وناتجة عن العقوبات، وليس الفساد المستشري وإنفاق أموال الشعب على المغامرات الإقليمية والسياسات التوسعية، وباتت تُكثر من الخطاب الحماسي للاستهلاك المحلي، وإخضاع الشعب للأمر الواقع، لكن في الحقيقة تسير الأمور نحو الأسوأ، ويواجه النظام مأزقاً حقيقياً يهدد وجوده برمته.
ومع استمرار الاحتجاجات الشعبية، بمختلف أشكالها وصورها، في كافة أنحاء البلاد، امتد الغضب الشعبي من سياسات وسلوك النظام الإيراني إلى دول الجوار، حيث شهدنا كيف قام شبان منتفضون في البصرة بحرق القنصلية الإيرانية هناك، أثناء انتفاضتهم الشعبية مع سائر مدن جنوب العراق ضد الفساد والطائفية وانعدام الخدمات وتدهور أوضاع العراق المعيشية، حيث حمَّلوا النظام الإيراني والأحزاب التابعة له بالحكومة والحكومات المحلية مسؤولية تدهور أوضاع البلاد. وهذا ما يؤكد فشل السياسة الإيرانية في العراق، وخلق تضامن شعوب إيران وشعوب المنطقة ضد نظام ولاية الفقيه.
وأثبت إعلان مختلف الشعوب في إيران، خصوصاً الشعب العربي الأحوازي، عن تضامنهم مع المحتجين في البصرة، من خلال بيانات ورسائل التضامن والتأييد التي أُرسلت إلى المتظاهرين من قبل منظمات تابعة لعرب الأحواز والبلوش والأكراد والأتراك الآذريين والتركمان وبقية أطراف المعارضة الإيرانية، أن هناك رفضاً شاملاً وقاطعاً من قبل هذه الشعوب لسياسات النظام، ووجوده برمته، وكذلك تدخلاته في شؤون دول الجوار.
وحاول نظام الملالي في طهران التغطية على فشله الذريع في احتواء احتجاجات الداخل، وكذلك استياء الشارع العراقي، فلجأ إلى عرض عضلاته في نقطة أخرى على الأراضي العراقية، حيث قام وبالتزامن مع مظاهرات البصرة بتنفيذ هجوم شنه «الحرس الثوري»، في 8 سبتمبر (أيلول) الماضي، بإطلاق 7 صواريخ باليستية على المؤتمر السنوي العام لـ«الحزب الديمقراطي الكردستاني» (إيران) في إقليم كردستان العراق (حيث مقر الحزب)، وأسفر عن مقتل 17 من كوادر وقياديي الحزب، وجرح ما يقارب 45 شخصاً آخر، بينهم الكثير من أصدقائي، خصوصاً السيدة سهيلا قادري.
وبعد ذلك بفترة، أي في 22 سبتمبر، حصل هجوم الأحواز على العرض العسكري الإيراني، الذي قتل فيه 24 شخصاً وجرح العشرات، في عملية على ما يبدو تبناها تنظيم «داعش» المتطرف، وسط اتهامات جهاز استخبارات «الحرس الثوري» بالتواطؤ مع المنفذين، سواء من خلال تجنيدهم، أو اختراقهم، أو تسهيل مهمتهم، كما صرح بذلك بعض نواب البرلمان الإيراني.
ومرة أخرى استخدم النظام صواريخه لقصف سوريا هذه المرة، بحجة أن تنظيم «داعش» خطط لهجوم الأحواز من هناك، لكن صاروخين من مجموع الخمسة سقطا في مدينة كرمنشاه الكردية الإيرانية، ودُمرت المزارع والمحاصيل، وباقي الصواريخ سقطت على مدنيين سوريين، وقتلت نحو 10 منهم في بلدات وقرى بمنطقة دير الزور شمال شرقي سوريا، رغم أكاذيب النظام حول استهداف «داعش» وقتل قادة التنظيم.
إن قصف النظام، سواء على العراق أو سوريا، بحجة استهداف خصومه، خصوصاً المعارضة الكردية، يشكل اعتداءً صارخاً وعملاً إجرامياً ضد دول مجاورة؛ يتعارض وكافة القوانين الدولية التي تؤكد احترام حسن الجوار، كما أنه يكشف وبشكل جلي أن البرنامج الصاروخي الإيراني ليس للأغراض الدفاعية، كما يدعي النظام، بل من أجل تحقيق أهداف توسعية وإرهابية، وهو شأنه شأن البرنامج النووي الإيراني الذي تسعى لتحقيقه طهران لأهداف عسكرية.
ولكن إذا كان «الحرس الثوري الإيراني» يحاول عبر صواريخه توجيه رسالة للقضاء على قيادات الحركة الكردية الإيرانية بهذا العمل الإجرامي الفاشل، الذين أغلبهم أصدقائي وتجمعنا بهم تحالفات سياسية بهدف إسقاط نظام ولاية الفقيه، وللحصول على حقوقنا الوطنية، فأكد لي كلهم أن هذا العدوان زاد من وتيرة مقاومة الشعب الكردي، وجاء الرد من قبل الشعب الكردي في مدنه وقراه التي شهدت إضراباً عاماً لإدانة الهجوم ودعماً للأحزاب الكردية.
لكن حادث هجوم الأحواز، والغموض الذي ما زال يكتنف تفاصيله، بسبب تناقض تصريحات المسؤولين الإيرانيين، وعدم الشفافية في التحقيقات، واستغلال الحادث من أجل شن حملة اعتقالات عشوائية وتنفيذ الإعدامات وتبرير القمع، أظهر أن هذا النظام يحاول عسكرة انتفاضة الشعوب ودفعها نحو ميدان العنف.
ورغم أننا جميعاً نعارض وبشدة استخدام العنف من أي طرف كان، لكن نرى أن النظام الإيراني الذي يمارس «الإرهاب الحكومي المنظم» ضد شعوبه في الداخل ومعارضيه في الخارج من خلال القصف والتفجيرات والاغتيالات، وكذلك ضد شعوب المنطقة، بدعمه للإرهاب والجماعات والميليشيات المسلحة والطائفية، هو المستفيد الوحيد من العنف لأنه يمتلك السلاح ولديه الخبرة في استخدام العنف والإرهاب لتحقيق أهداف سياسية.
كما أنني أعتقد راسخاً بأنه النظام الإيراني لا يمكن إسقاطه بالعنف، بل بالطرق السلمية الجماهيرية التي يخشاها.
هذا بينما يجمع السياسيون من مختلف قوى المعارضة على أن الانتفاضات في إيران بدأت تنتقل إلى مرحلة العصيان المدني الشامل، وبمشاركة جميع الشعوب والقوميات التي تعيش في إيران، رغم أننا لا نحتكر أسلوب النضال، ونؤمن بأنه يحق للناس أن يدافعوا عن أنفسهم بكل الطرق التي يرونها مناسبة ضد الإرهاب الحكومي.
كما نشهد انسجام الحراك الشعبي بشكل غير مسبوق في المناطق العربية والكردية والبلوشية ضد النظام، ما دفع بالجميع لأن يتساءل: هل ستكون الأقاليم الكردية أو العربية أو البلوشية مراكز انطلاق شرارة العصيان المدني الشامل؟
لا أحد يعرف ذلك! لكن بكل تأكيد هناك تصاعد في الحراك، بالتزامن مع الاحتجاجات والإضرابات العامة في البلاد على خلفية الأزمات المعيشية وزيادة الركود والشلل شبه الكامل الذي يضرب الاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة، وانهيار العملة الوطنية بشكل غير مسبوق، مع الزيادة في معدلات الفقر واستشراء الفساد المالي والخلل الاجتماعي في كبريات المدن الإيرانية من قبيل مشهد والأحواز وشيراز وقم وطهران والمدن الأخرى.
وعادة ما يكون لانهيار الأنظمة الاستبدادية أسباب مختلفة، منها وفاة الزعيم، وتصاعد النزاعات الداخلية بين القيادات العليا التي لا يمكن الخروج منها، أو الصراعات العرقية، وحركات التمرد، في الأقاليم المهمشة البعيدة وغيرها من الأسباب.
ويشتد الأمر سوءاً عندما تفقد الديكتاتوريات القدرة على إدراك شدة الأزمة الاقتصادية، ولهذا السبب تصبح غير قادرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، وهذا ما يعاني منه النظام الكهنوتي في إيران. ولكن رغم ذلك لا توجد وصفة جاهزة للإطاحة بالنظام في إيران، إلا أن جميع المؤشرات تدل على فقدانه شرعيته، وأن أيام بقائه باتت محدودة.
ولعل من أهم المؤشرات التي تزيد من احتمال سقوط النظام الإيراني تكمن في انهيار البنية الاجتماعية والاقتصادية والمالية والإدارية والثقافية، نتيجة اتساع رقعة الفساد السياسي والجرائم الاقتصادية والإدارية والمالية والصراع الدائر بين السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية.
وفي مقدمة الأزمات دون أدنى شك، الأزمة الاقتصادية الناتجة عن انخفاض صادرات النفط، الذي دفع النظام إلى التقشف الاقتصادي، وفرض المزيد من القيود على الواردات، ومن نتائجها المباشرة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إغلاق معظم المصانع.
وفي مثل هذه الوضع من غير الواضح موقف الجيش الإيراني بشكل عام، وهل سيستمر التماسك بينه وبين «الحرس الثوري»؟ وهل سيدافع عن نظام ولاية الفقيه؟ هذا الأمر يزيد من احتمال حدوث انقلاب عسكري نتيجة لرفض أوامر السلطة لقمع عصيان الجماهير.
ولعل من المؤشرات الأخرى، التي من شأنها أن تمهد لإسقاط النظام، مشكلة الزيادة السكانية والهجرة المتزايدة من الريف إلى المدن، وازدياد ظاهرة التشرد، وتفاقم مظاهر العنف، حتى بين الطبقة الوسطى وبين عوائل العسكريين و«الباسيج» و«الحرس الثوري» وموظفي الحكومة. إضافة إلى ذلك يجب الإشارة إلى انخفاض مستوى الخدمات العامة.
بطبيعة الحال، يبقى أهم مؤشر سياسي على انهيار النظام في إيران هو وفاة المرشد الأعلى، الذي أسس بمساعدة «الحرس الثوري» نظاماً استبدادياً شديد المركزية، وله سيطرة كاملة على جميع المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، لذا في حال وفاته سوف يصبح الباب مشرعاً على مصراعيه للكثير من الاحتمالات.
من ناحية أخرى، فإن التجربة الإصلاحية أثبتت فشلها، وأكدت أن هذا النظام لا يمكن إصلاحه، خصوصاً بعد قمع «الحركة الخضراء» في عام 2009، لذا فإن هناك طريقة واحدة بقيت أمام نظام ولاية الفقيه للحفاظ على السلطة، وتتمثل في قمع المواطنين المحتجين، وهذا ما لجأ إليه خامنئي للبقاء في السلطة.
ورغم ذلك، تدل المؤشرات كلها على بدء انهيار النظام مع استمرار فرض العقوبات الاقتصادية من قبل المجتمع الدولي، وستكون أشد في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، عندما تشمل حظر صادرات النفط والغاز بغية حرمان النظام من الإيرادات، وأيضاً حرمانه من النظام المصرفي الدولي.
من هنا يمكن القول: إن هذه المؤشرات مجتمعة، أو بشكل منفرد، قد تكون بمثابة الفتيل الذي سوف يفجر برميل البارود تحت أقدام النظام.