سمير صالحة
اكاديمي ومحلل سياسي تركي
TT

غزة تشتعل وأنت أيضا على حق!

الدكتور موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يقول في حوار مع «الشرق الأوسط» إن الحركة لم ترفض المبادرة المصرية، وإنما طلبت إضافات تساعد أهل غزة على العيش بكرامة وعدم تكرار الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع.
«نثق في الجهود المصرية المخلصة ولا نريد إحراجها أو حتى تشكيل محاور ضدها.. إن هناك اختلافا في وجهات النظر (بين الفلسطينيين)، لأننا طالبنا بأن نتفق أولا، من خلال الحوار، على مطالبنا المشروعة، ثم بعدها نقرر وقف إطلاق النار.. الرئيس أبو مازن ذكر أنه سيناقش هذا الأمر مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبالتالي ما الذي نستطيع أن نقدمه حتى نخرج برأي واحد..».
المبادرة منذ البداية كان ينبغي أن تكون مصرية، لأن مصر هي المعني الأول في مناطق الحدود مع قطاع غزة، ولأنها القوة العربية القادرة على حماية التعهدات في بنود مبادرة تطرحها هي، ولأن علاقاتها قد تكون متوترة مع حماس، لكنها تستطيع الجلوس والحوار والاستماع إلى ما تقول وتساهم في إيصال الفلسطينيين إلى موقف موحد مشترك حيال مبادرتها، خصوصا بعد دورها في دعم المصالحة الفلسطينية الفلسطينية.
لكن أسئلة أبو مرزوق ما زالت تنتظر الرد ليس من قبل القاهرة وحدها، بل من قبل محمود عباس أولا.
سامح شكري وزير الخارجية المصري يقول حول ما تردد إن المبادرة المصرية تتضمن بند نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، إن من يسوّق لمثل هذا الكلام عليه أن يقرأ نص المبادرة أولا.
ويتابع شكري أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال وجوده في مصر ولقائه مع الرئيس السيسي أعرب عن تأييده الكامل والمطلق للمبادرة المصرية، التي تتضمن كل النقاط لوقف إطلاق النار ورفع الحصار، وهي تحظى بتأييد كامل من السلطة الفلسطينية. لكن الرئاسة الفلسطينية في رام الله، ليست لها سلطة مطلقة على حماس وقطاع غزة.
شكري اتهم محور حماس – قطر - تركيا بمحاولة إفشال الدور المصري «هذا المحور يستهدف أن ينزع عن مصر وضعها كطرف فاعل قادر على التأثير على الموقف الإسرائيلي، الذي يدرك جيدا دور مصر وأهميته بالمنطقة».
إسرائيل تقول إنها لن تقبل بالوساطة القطرية وبالدور القطري الذي يدعم حماس وينحاز إليها، وإنها متمسكة بالدور المصري وبالضمانات المصرية بوصفها مفاوضا وحيدا. ولم تقبل تل أبيب بغير ذلك؟
يبدو أننا ننسى هنا أن إسرائيل وضعت منذ البداية شروط الحوار مع الفلسطينيين؛ وعلى رأسها تدمير حماس، وتعطيل حكومة الوفاق الفلسطيني، وسحب سلاح المنظمات الفلسطينية في قطاع غزة.
حكومة إردوغان تقول من جانبها إن تركيا تعترض على المبادرة المصرية التي لا تعطي الفلسطينيين الحد الأدنى المطلوب، وإنها لا تعترض على الدور المصري في الحل. أنقرة تريد وقف إطلاق نار مشرفا وترفض أي اتفاق يمنح الإسرائيليين نقاط قوة ضد الفلسطينيين.
إردوغان كان يقول قبل أسبوعين إن العلاقات التركية - الإسرائيلية في طريقها إلى التطبيع، ولم يبق سوى شرط فك الحصار عن غزة.
إردوغان يقول اليوم: «إسرائيل ترتكب المجازر في غزة، لا يمكن أن نصف ما تفعله إسرائيل في القطاع سوى بالعمل الإرهابي. إسرائيل تجاوزت هتلر في همجيتها».
في هذا التحول أيضا غرابة تستحق التوقف عندها، خصوصا أن الرئيس الأسد حمله مباشرة مسؤولية تزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود الكردي لمهاجمة غزة. هل صحيح أن عباس طالب الفرنسيين وغيرهم بالتدخل لزيادة الضغوطات على تركيا لتقبل بالمبادرة المصرية؟
عدم إشراك حماس كما نفهم حتى الساعة وتر العلاقات الفلسطينية الفلسطينية، وتسبب في زيادة التوتر في العلاقات المصرية – التركية، وأفرح الإسرائيليين وبعض العواصم الغربية. من الذي فجر العلاقات التركية - المصرية المتوترة أصلا، ومن المستفيد من هذا التوتر الجديد؟
عبد الفتاح السيسي هو الرئيس المصري اليوم، وإردوغان يستعد للجلوس في قصر الرئاسة بدءا من الشهر المقبل، والخيارات شبه محدودة، صب الزيت فوق نار الخيارات الشخصية مسألة تعنيهما وحدهما، لكن الإضرار بمصالح البلدين وتسهيل الطريق أمام لاعبين إقليميين ودوليين للاستفادة من هذا التباعد، وتهديد خرائط المنطقة بمجملها كما هو واقع اليوم، ينبغي أن يضع من تهمه مصلحة العالم الإسلامي حدا له وبأسرع ما يكون.
السيناريو الذي نقبله في أنقرة هو أن إسرائيل هي التي دبرت وافتعلت منذ البداية أحداث اختطاف الفتيان الإسرائيليين وقتلهم.
وقامت بالرد بوحشية ضد المدن الفلسطينية المحتلة في الضفة والقطاع، وبعدها الدخول إلى غزة؛ هدفها الأساسي في هذه العملية. شيء ما يعيدنا بالذاكرة إلى العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982، حيث زعمت تل أبيب وقتها أنها تنتقم لاستهداف أحد دبلوماسييها، فوسعت رقعة الهجوم باتجاه المطالبة بتصفية المقاومة الفلسطينية هناك، ثم الضغط باتجاه توقيع اتفاقية «استسلام» مع الحكومة اللبنانية لم يكتب لها النجاح.
كيف، ولماذا تدعم أوروبا وأميركا المبادرة المصرية التي أعلنت إسرائيل قبولها بها قبل أن نسمع رأي القيادات والمنظمات الفلسطينية المعني الأول بالموضوع؟
مكتب وكالة الصحافة الفرنسية في القاهرة وتحت عنوان: «إردوغان يشن هجوما جديدا على إسرائيل» يوزع الخبر التالي: «شن رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان هجوما جديدا على إسرائيل، مقارنا عقلية بعض الإسرائيليين بعقلية أدولف هتلر.
ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية التركية في 10 أغسطس (آب) المقبل، عمد إردوغان، الذي يطرح نفسه مدافعا عن حقوق الفلسطينيين وزعيما في العالم الإسلامي، إلى رفع حدة انتقاداته للدولة العبرية...».
استفسارات تعني القاهرة وأنقرة اللتين تقودان علاقاتهما نحو مزيد من التوتر، بينما الصحيح هو أن تراجعا قراءة تفاصيل سيناريو المسرحية قبل أن ترفع الستارة.
القاضي نصر الدين خوجا (جحا تركيا) ليس أول من أعطى الحق للجميع في محاولة لاسترضائهم.