شريا أوفيد
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

ما الذي يفعله عمالقة التكنولوجيا؟

أتعجب كثيراً عندما أسمع أن بعضاً من أغنى شركات العالم تزعم أنها لا تسعى للحصول على المال. فقد نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» مقالاً ذكياً، مؤخراً، عن السبب الذي دفع شركة «آبل إنك» لبيع أغلى طرازين سعراً من طرزها الثلاثة الجديدة من هواتف «آيفون» قبل خمسة أسابيع من عرض النسخة الأقل سعراً.
لقد فعلت الشركة العكس العام الماضي بأن طرحت للبيع طرز «آيفون 8» التي يبدأ سعرها من 700 دولار، قبل 6 أسابيع من عرض هاتف «آيفون إكس» بسعر ابتدائي قدره 1000 دولار.
وتفسح استراتيجية العام الحالي المجال أمام شركة «آبل» لأكثر من شهر لبيع المزيد من طرز «آيفون» للمشترين الأكثر تلهفاً، من دون منافسة السعر الأدنى الذي تعرضه الشركة نفسها. ويعطي هذا النهج المؤقت شركة «آبل» رؤية أفضل بشأن اتجاهات البيع، ويبسط من إجراءات السوق، بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال».
ستسخر الشركات في الصناعات الأخرى من استراتيجيات كهذه، وهو ما لا تشعر به «آبل». فقد صرحت شركة «آبل» لصحيفة «وول ستريت جورنال» بأنها تطرح منتجاتها فقط عندما تكون مستعدة لذلك. هنا انتهى الحوار، لكن هل هذا صحيح؟ الواقع يقول إن الشركة تنتج هواتف «آيفون» في شهر سبتمبر (أيلول) من كل عام وبانتظام. كتبت من قبل أن شركة «آبل» لا تملك القدرة الكافية لتسعير منتجاتها العبقرية وسبل تجزئتها. فمنذ ثلاث سنوات كانت شركة «آبل» تبيع هاتفي «آيفون» جديدين كل عام بالحد الأدنى للسعر، وهو 650 دولاراً في الولايات المتحدة. وحالياً بات من المألوف أن تبيع «آبل» الهاتف بسعر 1000 دولار أو أكثر، وتبيع أكثر من 10 موديلات مختلفة، منها القديم والجديد، بأسعار بعضها متواضع وبعضها مرتفع.
بكل التأكيد، فإن هواتف «آيفون» تتطور وتزيد قوة عاماً بعد آخر، لكن غالبية منتجات التكنولوجيا تتحسن وتتراجع في السعر مع مرور الوقت، وهو ما لا يحدث مع «آيفون». ولذلك فإن قفزات أسعار مبيعات «آيفون» هي السبب الأكبر في أن عائدات «آبل» استمرت في الارتفاع العام الحالي.
تستحق شركة «آبل» التحية لهيمنتها التي جعلت الناس تدفع كثيراً في سلعة باتت منتشرة في جميع أنحاء العالم، وإن كانت الشركة ليست في حاجة إلى المزيد من الثقة. لا تتحدث «آبل» مطلقاً عن أسعار مبيعاتها المرتفعة التي جاءت نتيجة لاستراتيجيتها المتعمدة، حتى أمام المستثمرين والجمهور المعني بالشؤون المالية، وهو أمر مجنون حقاً. فشركة «آبل» لم تتعثر قدمها في برميل من النقود لتصبح أكثر الشركات ربحية في العالم.
في الوقت نفسه، فإن تجار التجزئة يتحدثون من خلال التكتيكات التي يستخدمونها لحث المزيد من المتسوقين على دفع الثمن كاملاً، نظير شراء أشياء مثل حقائب اليد ماركة «كوش» وسترات «رالف لورين» بدلاً من الانتظار لحين عرض تلك السلع للبيع. وفي الوقت نفسه، تتحدث شركات أخرى علانية عن أسلوب عملها الهادف إلى الربح.
وقد استمر هامش ربح «آبل» ثابتاً بدرجة كبيرة، فيما يوحي بأن الشركة تبني أعمالها حول مستوى ربح معين، أياً كانت كلفة الخامات والتكنولوجيا الأكثر تقدماً عن أي وقت مضى التي تأتي ضمن منتجاتها. وعندما تسأل «آبل» عن قوتها وثروتها، فستعرف أن مديرها توم كوك مغرم بالقول إنه لا يزال يرى «آبل» كشركة صغيرة. لكن من المضحك أن تقول هذا عن عملاق يبيع منتجاته لمئات الملايين من الناس، حيث تجني الشركة 140 ألف دولار كل دقيقة، وتعتبر أكبر الشركات من ناحية القيمة المالية في العالم. من غير الملائم لشركات التكنولوجيا أن تعترف بأنها تسعى لكسب المال. فشركة «أمازون دوت كوم» تقول إن هدفها الوحيد هو تدبر هوس المتسوقين واحتياجاتهم. وتعد «آبل» إحدى أقسى الشركات وأكثرها ذكاء في خدمة نفسها. وقد صرح رئيس الشركة الأم لـ«غوغل» مؤخراً بأن مستخدمي الإنترنت في الصين سيكونون أفضل حالاً حتى في ظل استخدام النسخة المراقبة من محرك البحث الخاص بالشركة. فمن الصعب أن تصدق أن ما يحرك «غوغل» هو حاجة الصين للمعلومات، وليس المكاسب التي تعود عليها من مبيعات الإعلانات الرقمية أو الذكاء الاصطناعي وغيرها من التكنولوجيا المتاحة في البلاد.
بالطبع، فإن عملية نكران الأرباح، والسعي لها، يأتي ضمن مهام العلاقات العامة. فالشركات الغنية والهادفة إلى الربح لا ترغب في أن تبدو غنية وتسعى إلى الربح، وهو أمر مؤسف.
بدلاً من ذلك، يبدو أنه يروق لهم كثيراً الصياح للدعاية لجودة منتجاتهم الإبداعية التي يخرجون بها للعالم بين الفينة والأخرى، فهذا ما يفعله عمالقة التكنولوجيا. مجال الأعمال يجب أن تكون له مبادئه التي تتعدى كسب المال. لكن وراء تلك المنتجات والخدمات الجذابة غالباً ما تكون هناك استراتيجيات أعمال ذكية، وهذا واقع فعلي أيضاً، وعلينا الاعتراف به.
* خدمة «واشنطن بوست»