سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

فوضى الأجنحة

يقام معرض الكتاب العربي في بيروت بعد أيام من انتهاء معرض الكتاب الفرنسي، في المكان نفسه، والمساحة نفسها. الباقي كله اختلاف. كتب العلوم في الأول موضوعة وفي الثاني منقولة. القضايا المطروحة في الأول هي قضايا اليوم والقرن المقبل. القضايا المطروحة في المعرض العربي، جميعها من القرن السابع. ولكي لا نظلم الطليعيين، فلنقل أيضا من القرن الثامن. التاسع استعمار.
هناك كثرة جمة من العناوين التي تحمل أسماء نسائية، آنسات أو سيدات، لا أدري وليس مهماً أن ندري. هذه كلها يمكن إدراجها في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. نساء يشكون اللوعة والحرمان وسهد الليالي بأسلوب واحد تقريبا. عناوين.. عناوين.. عناوين.. عناوين، والله زمان يا فؤادي. مراهقة أدبية مع انصرام عام 2013 والاحتفال بمرور 50 عاما على دوران فالنتينا تيريشكوفا حول الأرض في العربة فوستوك - 6. اختيرت فالنتينا من بين 400 مرشحة وخمس متنافسات.
حكايات.. حكايات.. حكايات. كل امرأة تحكي قصة مناجاتها وتسميها «رواية». حتى هذا النوع الرومانسي كان في فرنسا وبريطانيا أوائل القرن الماضي أكثر صناعة وفكرا وعناية. من الظلم أن نعمم وأن لا نتوقف بإعجاب أمام الرواية النسائية الكبرى، التي فاقت أحيانا مستويات الروائي الرجل. لكن النسبة جارحة حقا. هناك كم رهيب من المنفلوطيات وغبار النثر التأوهي والقديم. وهناك افتعال فارغ تحت عنوان الجرأة والشجاعة. وليس هناك قضايا.
هناك اتفاق كوني على لزومية الصمت والهدوء في المستشفيات والمكتبات. في المعرض العربي كان هناك جناح، أو زريبة، يوزع الضجيج «الموسيقي» بأعلى مقياس ممكن. ولم تحضر الشرطة، ولا خطر لأحد أن يطلبها. يؤسف أنني لم أكتب عن الجماليات والأهميات في معرض عمره 57 عاما، ولكنها ضائعة في فوضى الاستعراب. أي ازدراء الكتاب. وبعض أغنى الدول العربية أقامت لمنشوراتها أجنحة فقيرة ليس فيها سوى ملامح المعوزين كأنما الكتاب العربي متسول يبحث عن فتات. فأين مثلا جناح مصر، أو الكويت، أكثر الدول العربية صرفا في تطوير الثقافة والكتاب؟ حافظت بعض الدور مثل «الآداب» و«الساقي» و«رياض الريس للنشر» على المستوى اللائق في عرض الكتاب وتكريمه، بينما أهمل كثيرون أناقة هذا المنتج الجميل.
حالت ظروفي دون الذهاب يوميا إلى المعرض كما هي عادتي. وإذ أكتب في عتب، فلأن لا حزب لي سوى الكتاب. إنه جزء من العائلة. بل هو ضرتها وظالمها. يأخذ من الوقت أكثر بكثير من الأولاد. سامحونا على النرفزة.