نوح سميث
كاتب في «بلومبيرغ»
TT

التنوع قوة أميركية وليس ضعفاً

مع زيادة التنوع الذي يشهده الشعب الأميركي، يتساءل البعض في اليمين السياسي عما إذا كان التغيير سوف يطيح بنسيج المجتمع الأميركي المتماسك. وفي لقاء حديث، طرح تاكر كارلسون المذيع في شبكة فوكس الإخبارية سؤالاً مميزاً:
«كيف يمثل التنوع مصدراً من مصادر القوة لدينا؟... في المؤسسات مثل الزواج أو الوحدات العسكرية، هل صحيح أنه كلما انخفضت الأمور المشتركة بين الأشخاص كانوا أكثر تماسكاً؟ هل تتعامل بشكل أفضل مع جيرانك أم مع زملائك في العمل إن لم يفهم بعضكم البعض جيداً أو لم تتقاسموا أي قيم مشتركة؟».
سارع الكثيرون إلى التنديد بالأسئلة التي طرحها كارلسون ووصموه بالعنصرية. ولكن بصرف النظر تماماً عن دوافع الرجل، إلا أن أسئلته تستحق الإجابة.
أحد أبسط المبررات الشائعة لوجود التنوع في المجتمع الأميركي يتعلق بالإسهامات الثقافية التي يجلبها الأشخاص من الخلفيات الثقافية والحضارية المتنوعة إلى البلاد. ويمكن لهذه الأمور أن تكون أشياء بسيطة مثل الطعام، وأنماط الملابس، والموسيقى، أو العطلات.
ومن المبررات الأخرى المعقولة والدقيقة للغاية للتنوع هي الفكرة القائلة بأن تنوع الخلفيات العرقية والدينية يولد بالتالي تنوع الأفكار. وهناك سلسلة كاملة من الأبحاث حول مسألة ما إذا كانت المجموعات المتنوعة، والشركات، والمؤسسات الأخرى تخرج بنتائج أفضل. ورغم أن الكثير من الدراسات يجد أن هذه هي الحالة المعتادة، إلا أن السؤال لا يزال بلا إجابة شافية.
ولكن هذه الدفاعات عن التنوع، وبرغم أنها قد تكون صحيحة، إلا أنها لا تصل إلى قلب الحقيقة في أن المهاجرين الوافدين إلى البلاد من هذه المجموعات الهائلة من الخلفيات كانت تمثل استراتيجية رابحة للولايات المتحدة. وفي رأيي الشخصي، فإن أفضل إجابة عن أسئلة كارلسون هي أن التنوع هو من مصادر قوتنا ليس لأنه أمر سهل بل لأنه أمر صعب للغاية.
عندما يتشارك الجميع في خلفيات عرقية ودينية مشتركة، يسهل عند ذلك تناسي مدى اختلافنا عن بعضنا البعض. ولدى كل إنسان مجموعة متنوعة وفريدة من الأفكار، والتاريخ الشخصي، والرؤية العالمية، ولكن في حدود الشركة، أو المدرسة، أو الحي، أو الفريق، هناك ضغوط اجتماعية طبيعية تدفع لغمر واستكانة هذه الاختلافات تحت دوافع التوافق والتطابق والاستيعاب.
يقاتل التنوع ضد هذا الضغط الساحق. والعرق، والدين، والأصل القومي هي أبعد ما تكون عن الأشياء الوحيدة التي تجعل الأفراد مختلفين عن بعضهم البعض، ولكن بسبب أنها أشياء مرئية على الدوام ولا يسهل تجنبها، فإنها تجبر الناس جبراً على التعامل من واقع الاختلاف.
والفردانية، وهي من القيم الأميركية الأصيلة، بإمكانها أن تعزز من قوة المؤسسات الاجتماعية على المدى البعيد. وبدلاً من أن نتوقع من الجميع أن يعرفوا ببساطة مكانهم الحقيقي وأن يتبعوا القواعد من دون اعتراض، يتعين على المؤسسات أن تضع الخلفيات الفريدة والمميزة لأعضائها في الحسبان. والمؤسسات الأميركية مثل المدارس العامة، والجامعات، والشركات، طورت الآليات الرسمية والعميقة وأرست دعائم الثقافات المؤسسية الراسخة والمصممة للاعتراف والاستفادة من القدرات الفريدة والمميزة لأفرادها.
ويبدو أنهم أقوى من بذل هذه الجهود؛ إذ تضم الولايات المتحدة أفضل المؤسسات الجامعية على مستوى العالم، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تدفق أعضاء هيئات التدريس الموهوبين والطلاب المميزين من مختلف أرجاء العالم. وتعتبر الشركات الأميركية من أكثر الشركات العالمية تحقيقاً للأرباح في عصر العولمة، ويرجع ذلك في جزء منه إلى قدرتها على الاستفادة من العمالة المتنوعة والبيع إلى العملاء المتنوعين.
وعلى مدار التاريخ، استمد الجيش الأميركي قوته الحقيقية من دمج مجموعات معينة من الجنود. ومعظم المدن الكبرى ازدهاراً في البلاد، مثل نيويورك، وهيوستن، وسان دييغو، هي تلك التي عززتها الهجرات الخارجية.
قد يزعم أولئك الذين يفكرون مثل تاكر كارلسون أن كل هذا النجاح يتحقق رغم التنوع، وليس بسببه. ولكن هناك أدلة دامغة على أنه من خلال التواصل المتكرر، يؤدي التنوع إلى الثقة المجتمعية الكبيرة، وانخفاض التمييز بين الأشخاص من مختلف الخلفيات.
بعبارة أخرى، التنوع ليس عصا سحرية تزيد من قوة المجتمع الأميركي على نحو مفاجئ، بل إنها مثل التدريب المتأني الهادئ. تماماً كما أن رفع الأثقال يعزز من قوة العضلات بمرور الوقت، فإن تعلم كيفية التعامل مع الناس من مختلف الخلفيات يقوي من القيمة الأميركية الأساسية للفردانية.
ويبدو أن الشعب الأميركي متفق على ذلك.
ويجري دعم هذه الاستجابات بمزيد من الإجراءات. ومع التنوع الكبير الذي يميز قطاعات الشعب الأميركي، ارتفعت نسبة الزواج بين الأعراق المختلفة وبنسبة ثابتة، وصارت تمثل الآن أكثر من سدس الزيجات الجديدة في الولايات المتحدة. ومن تسعينات القرن الماضي، كان المواطنون الأميركيون، في المتوسط، ينتقلون إلى أحياء سكنية أكثر تنوعاً من الناحية العرقية، ويقيمون ويستقرون هناك فور انتقالهم. رغم أن بعض المواطنين الأميركيين لا يزالون يشككون في جدوى التنوع المتنامي في البلاد والذي احتضنته واستوعبته البلاد بأسرها على نحو شديد الوضوح.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»