داود الفرحان
حاصل على بكالوريوس الصحافة من جامعة بغداد عام 1968. نائب نقيب الصحافيين العراقيين لثلاث دورات، الأمين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب. مدير «مركز المعلومات والبحوث» في وزارة الثقافة والإعلام العراقية. معاون المدير العام لوكالة الأنباء العراقية. المستشار الإعلامي للسفارة العراقية في القاهرة (1989 - 1990). كاتب عمود صحافي في الصحف العراقية منذ عام 1966، وكاتب عمود في مجلات: «المجلة» السعودية، و«الأهرام العربي»، و«الصدى» الإماراتية، و«اليمامة» السعودية، و«التضامن» اللندنية. رئيس تحرير صحف ومجلات عراقية أسبوعية عدة ومؤلف لعدد من الكتب.
TT

ثقوب المنطقة وثقب «الأوزون»

يحتفل العالم المتقدم في 16 سبتمبر (أيلول) من كل عام بـ«اليوم الدولي للحفاظ على طبقة الأوزون»، الذي دعا إليه «بروتوكول مونتريال» قبل 31 عاماً. والتعريف العلمي لطبقة الأوزون أنها درع هش من الغاز يحمي الأرض من الجزء الضار من أشعة الشمس بما يساعد في الحفاظ على الحياة على هذا الكوكب الجميل.
قد يبدو هذا النوع من الاحتفالات في الدول النامية نوعاً من الرفاهية غير المفهومة، وقد يتحول إلى نكتة سوداء في حين يطالب السكان الفقراء بمستلزمات الحياة على الأرض من أغذية ومياه وكهرباء ومدارس ومستشفيات وطرق وحريات عامة. لكن المهتمين لا يملّون من التوضيح أن التخلص التدريجي من الاستخدام السيئ للمواد المستنزفة للأوزون لحماية هذه الطبقة الحيوية، يحمي هذا الجيل والأجيال اللاحقة ويُسهم بفاعلية في الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ.
في عام 1994 وما بعده وقّعت 90 دولة على «بروتوكول مونتريال» لعام 1987 الذي يحدد الإجراءات الواجب اتباعها على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي للتخلص تدريجياً من المواد التي تستنزف طبقة الأوزون. ومع هذا التوقيع الدولي الهائل على البروتوكول، فإن عدداً محدوداً جداً من الدول عملت بجدية لتحقيق هذا الهدف الحيوي لسكان الأرض. أما العدد الأكبر من الشعوب فهو مشغول بتدبير أولويات الحياة التي نعرفها، وليست من بينها بالطبع طبقة الأوزون ولا ثقبها الشهير.
ومن هنا، فإن الشعوب بحاجة إلى ثقافة فضائية طبيعية تتجاوز ما هو متداول عن الكائنات الفضائية وسفن الفضاء والنجوم والكواكب والشهب والنيازك والانفجارات الشمسية والرعد والبرق والسحاب والأمطار والعواصف... إلخ. وانتبهت الأمم المتحدة إلى هذا الأمر، ونجحت في استثارة اهتمام 190 دولة، معظمها دول ليس الأوزون من أولوياتها، وعلى حد تصريح أحد السياسيين الأفارقة، فإن شعبه يسعى إلى التخلص من البعوض والذباب والأمراض المعدية قبل التخلص من أمراض الأوزون!
تتركز خطورة نضوب طبقة الأوزون في أنه يؤدي إلى احتراق خلايا الجلد عند التعرض المباشر لأشعة الشمس، بالإضافة إلى الأضرار التي تلحق بالجهاز المناعي للإنسان، لأن هذه الطبقة تقوم في الأحوال الطبيعية بتنقية الأشعة فوق البنفسجية القصيرة التي تأتي من الشمس وهي أشعة خطيرة جداً على البشر.
تنبهت إلى خطورة الموقف في البداية دول شبه قطبية جغرافياً مثل الولايات المتحدة وكندا والنرويج والسويد، بسبب انحسار الكتل الجليدية وهجرات غير معتادة لجأت إليها الطيور والحيوانات البرية. ولذلك، فإن معظم الدول الـ190 التي وقعت «بروتوكول مونتريال» تتجاهل المشكلة، مثلما قلتُ قبل سطور، لأنها لا تشعر بها مثلما تشعر بنقص المياه والأغذية والأدوية مثلاً. وحتى إذا شعرت بثقل المشكلة كونياً، فإنها لا تملك حلولاً ولا أموالاً ولا وسائل لمعالجتها. الأهم من كل ذلك أن العالم يعاني من مشكلة في شيء غير محسوس مباشرة اسمه «ثقب الأوزون»؛ بل إن هذا «الثقب» المجازي تحول إلى مادة للسخرية في الأفلام والمسرحيات والمسلسلات التلفزيونية العربية مثلما تعودنا أن نستخف بالمشكلات أو نشكل لجاناً متخصصة في صناعة الطرشي لحلها، فيزداد الطين بلّة.
باختصار إن الحفاظ على طبقة الأوزون من الأذى يحمي صحة الإنسان عن طريق الحد من وصول الأشعة فوق البنفسجية الضارة إلى الأرض، والتخفيض التدريجي لمركبات الكاربون التي تؤثر في حرارة المناخ غير الطبيعية.
قد يظن البعض أن مشكلة الأوزون حديثة وهي تحتاج إلى وقت لإيجاد الحلول لمعالجة الاحتباس الحراري. لكن هذا غير دقيق، فقد اكتشفت المشكلة لأول مرة في عام 1913، أي قبل أكثر من قرن كامل، وتم تحديد أسبابها بانفجارات البراكين وحرائق الغابات وعوادم الطائرات والسيارات واحتراق الغاز والنفط والتفجيرات النووية والمبيدات الكيماوية وإطلاق الصواريخ إلى الفضاء الخارجي.
ما الحلول؟ تقول عالمة الغلاف الجوي الأميركية ناتاليا كراماروفا إن الشفاء الكامل لطبقة الأوزون لن يحدث قبل عام 2070 أي بعد أكثر من نصف قرن. وهي تعتقد أن ثقب الأوزون لم يتحسن، بل ازداد مساحة بانضمام القطب الجنوبي إلى القطب الشمالي في تنامي المشكلة. وتشاركها الرأي زميلتها عالمة الغلاف الجوي سوزان ستراهان، والاثنتان تعملان في معهد «غودارد» للدراسات الفضائية التابع لـ«إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا)».
الثقب يتسع، ولا ينحسر كما يظن البعض، لأن الفضاء الخارجي ممتلئ بالكلور المدمر لطبقة الأوزون. وإلى أن يجد العلماء حلولاً استثنائية للمعضلة فسيظل السياسي الأفريقي الذي أشرتُ إليه في بداية المقال مشغولاً بالتخلص من البعوض والذباب والأمراض المعدية.
ملاحظة أخيرة: مع أن العلماء أطلقوا على تآكل الأوزون تسمية «ثقب الأوزون»، فإنه ليس هناك ثقب فعلاً ولا توجد منطقة في العالم ليس في فضائها أوزون، لكن هناك نقصاً في هذه الطبقة الزرقاء اللون الجميلة التي نراها كلما رفعنا رؤوسنا إلى السماء. وأستدرك بالقول إن لكل شيء في الحياة استثناءً.. حتى في ثقب الأوزون. فالعراقيون والسوريون واللبنانيون واليمنيون يشكون، على التوالي، من ثقوب «الحشد الشعبي» والميليشيات و«حزب الله» والحوثيين. أما ثقب الأوزون فلم يسمعوا به.