حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

يوم إرهابي بأنواعه!

صادف يوم الثلاثاء الماضي سلسلة من التواريخ التي لها علاقة بالإرهاب؛ الأول ذكرى احتلال جهيمان وزمرته الإرهابية الحرم المكي الشريف، وقتله المصلين والجنود في حادث إرهابي عظيم. والثاني ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بعد مرور سبعة عشر عاماً على حدوثها، وهي الأحداث التي تبنتها عصابة تنظيم «القاعدة» الإرهابي. والحدث الثالث هو بدء الجلسات لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري، الذي وجهت فيه الاتهامات بالأدلة الدامغة والشهود لأفراد مرتزقة تنظيم «حزب الله» الإرهابي، وهو التنظيم الذي يقوده حسن نصر الله.
ثلاث حوادث إرهابية زلزلت العالم بأشكال مختلفة؛ وجوه مختلفة للإرهابي جهيمان، وأسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، وحسن نصر الله... كلهم وجوه دموية إرهابية ومجرمة، لا فرق بينهم أبداً، فجميعهم اتفقوا على إراقة الدماء وقتل الأبرياء بدم بارد. كلهم سواسية. رمزية عجيبة ودلالة لافتة على وجود هذه الأحداث الثلاثة في يوم واحد.
المنطقة لا تزال في حاجة إلى حملات تطهير كاملة، واستئصال من الجذور تماماً كالعلاج الكيماوي للورم السرطاني. فهذا الإرهاب الذي يتغطى تارة تحت شعار دولة الخلافة أو ولاية الفقيه أو المقاومة، يتلون ويتبدل ويتغير ويتأقلم حتى يعيد تمركز نفسه كسلعة ومنتج جديد أعيد تأهيله مرة أخرى، لكن يبقى خطره وضرره واحداً. التربة في العالم العربي لا تزال خصبة ومنتجة للتشدد، وإلا كيف يمكن تفسير استمرار قدرة عصابات مجرمة مثل «داعش» و«القاعدة» و«حزب الله» والحوثيين و«الحشد الشعبي» على استقطاب عشرات من المجاميع الشابة وتجنيدهم للإرهاب وعملياته.
فتاوى وآراء هي أقرب للخزعبلات والمهزلة منها إلى رأي ديني معتبر... هي التي تسير وتقود قطيع الشباب المنغمس تحت رايات الضلال هذه. وإذا لم نتعلم من دروس التاريخ فسنبقى على ضلال وضياع.
أوروبا، وتحديداً ألمانيا، مرت بالتجربة المريرة القاسية مع التطرف والإرهاب تحت غطاء الدين، وذلك عندما دخل على الخط السياسي حزب تبنى الدين وشعاره صليب معقوف، وأطلق شعارات تمجد المسيحية، وتمجد ألمانيا العظيمة والعرق الآري السامي الراقي فوق الآخرين، لكن في الحقيقة كل ذلك لم يكن إلا قناعاً لوجه شرير ودموي وقبيح، حتى استفاقت ألمانيا بعد هزيمة هتلر وحزبه النازي في الحرب العالمية الثانية، وقررت استئصال كل ما له علاقة بالفكر النازي في القصص والأدب والروايات والكتب والموسيقى والفنون والقوانين والأنظمة، إضافة إلى تجريمها الانتماء لفكره بأي شكل من الأشكال.
لن يشفى العالم العربي من قابلية الإرهاب والجاهزية الموجودة لديه للتطرف إلا بالقضاء التام على منابعه، وإلا كيف بالله عليكم من الممكن تفسير لأي عاقل أن يكون لدولة «مدنية» مثل لبنان حكومة يسيطر عليها أعضاء تنظيم إرهابي وزعيمه وأعضاء فيه مطلوبون للعدالة، ويحمون مجرمين متهمين باغتيال رئيس الوزراء الأسبق! إنها مداهنة صريحة للإرهاب، وهذا سيولد المزيد من الأحداث الإرهابية طالما لا يزال يسمح للإرهابي أن يصور كبطل ويشكل حكومة؛ لذلك لا توجد جدية حقيقية في تعاطي الغرب معنا حينما نتحدث معهم عن التصدي للإرهاب والإرهابيين ثم نراهم يشكلون حكومات في بعض دولنا.
إنها معضلة من النوع العظيم؛ لأنها ليست حالة فردية محصورة، لكنها كالسرطان يتفشى وينتشر ويؤثر في الكل، وهي قنبلة متى ما انفجرت ستصيب شظاياها الكل بلا استثناء.