نوح سميث
كاتب في «بلومبيرغ»
TT

التعلم الآلي وتأثيره على الاقتصاد

في عالم الأعمال، غالباً ما يطلق على التعلم الآلي اسم «الذكاء الصناعي». إن تلك الكلمة الرنانة من كلمات الخيال العلمي تستدعي إلى الذاكرة مشاهد أجهزة الكومبيوتر الروبوتية، رغم أن المنتج لا يتعدى ما يعرف بالانحدار الإحصائي. فالتعلم الآلي ما هو إلا استخدام الحساب في التوقع بالأشياء، مثل تحديد موقع «غوغل» ما يريد أن يبحث عنه المستخدم، أو ما إذا كان يتعين على السيارة ذاتية القيادة الانحراف لتفادي الاصطدام. لا يعرف أحد حتى الآن كيفية إعطاء نظام الكومبيوتر المرونة العقلية للتفكير والتعلم مثلما يفعل الإنسان.
كلمات رنانة وإلا فلا، فالمجال ساخن، والشركات الناشئة تتحصل على المزيد من التمويل في السنوات الأخيرة، وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل «ألفابيت إنك» و«غوغل» و«آبل إنك» و«أمازون دوت كوم» تستثمر بمبالغ كبيرة في مجال التكنولوجيا. يمكن أن يبدأ أول راتب للاختصاصيين في هذا المجال بمبالغ تصل إلى نصف مليون دولار سنوياً؛ ولذلك يشتري الناس الشركات الناشئة بمبالغ باهظة.
يشعر مديرو المؤسسات بالقلق من التكنولوجيا التي قد تفسد عليهم أعمالهم، لكن الشركات العملاقة تلقي بتلك التحذيرات خلف ظهورها.
من المهم الإشارة إلى أن التعلم الآلي لم يضع بصمته على الاقتصاد حتى الآن. فلكي نفهم ما قاله خبير الاقتصاد روبرت سولو، فإنك تستطيع رؤية عصر التعلم الآلي في كل مكان باستثناء الإحصائيات الاقتصادية. فقد عادت معدلات التوظيف إلى المستويات الصحيحة، وليس هناك دليل بعد على أن الماكينات باتت تحصل على الكثير من وظائفنا.
لكن شأن ثورة الكومبيوتر منذ ثلاثة عقود، فإن التعلم الآلي سيكون له تأثيره في نهاية الأمر. لكن السؤال هو كيف.
وقد حاول عدد من خبراء الاقتصاد إعطاء بعض الإجابات الأولية. وفي كتاب «ماكينة التوقع: الاقتصاديات البسيطة للذكاء الاصطناعي»، حاول إيجاي أغروال، وجوشا غانز وأفي غولدفراد، ثلاثة باحثين متخصصون في التعلم الآلي، إعطاء إجابة. ولأن التكنولوجيا مجال بالغ الاتساع وحديث العهد، فقد جاءت إجاباتهم عامة إلى حد بعيد، ومعتمدة على التخمين مثل محاولة تخمين المعاني المتضمنة لاختراع لمحرك البخار الذي ظهر عام 1800 أو الإنترنت عام 1992. لكن بالنظر إلى نطاق عملهم، فقد أدى أرغوال وزملاؤه عملاً رائعاً.
يتعامل إرغوال وزملاؤه مع التعلم الآلي بأسلوب الاقتصاد التقليدي، وذلك بتعريف ماهية المنتج، ثم التفكير في العرض والطلب بالنسبة للمنتج. وبحسب رؤيتهم لها، فإن التكنولوجيا تمثل الزيادة في الطلب على «قوة التوقع» – فأي مهمة عمل تعتمد على التوقع ستكون الآن أسهل وأرخص. لكن خبراء الاقتصاد لا يقتصر عملهم على ترديد نظريات الاقتصاد. فبعد العمل مع معمل «كريتيف ديستركشن لاب»، وحاضنة الشركات الناشئة بجامعة تورونتو روتمان للإدارة التي أسسها أغراويل نفسه، فقد استفاد المؤلفون من ثروة أمثلة حديثة واقعية تعزز وتوضح زعمهم.
إن المؤلفين لا يتصورون عالماً يعمل آلياً بصورة كاملة تحل فيه الماكينات محل البشر في كل خطوة من خطوات الإنتاج. على العكس، فإنهم يرون التعلم الآلي ينتشر بانتقائية في بعض الدوائر ذات البيانات الوفيرة، في حين تترك الحكم البشري يركز على الباقي. ورغم أن كلمة «حكم» كلمة غامضة، فقد حدد أرغوال وزملاؤه مهمتين إدراكيتين يستطيع فيها البشر هزيمة حسابات الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب بجعل التوقعات تستند إلى عينات من البيانات الصغيرة وبتعريف مسببات النجاح والفشل. لا يزال البشر متفوقين في معرفة ما يريدونه وفي نمذجة الأطر التي يعمل من خلالها العالم من حولنا.
إذا كان المؤلفون على حق، فسوف يحدِث التعلم الآلي ثورة في الوظائف المكتبية بالطريقة نفسها التي أحدث بها الوظائف الكادحة ثورة في الأعمال التي تعتمد على الماكينات والكهرباء والمعدات. ومثلما تسمح المعدات والآلات للعمال بتخطي بعض المهام الجسمانية واستخدام قوتهم العملية فقط في القليل من الأمور الضرورية، فإن أدوات التعلم الآلي ستسمح للعمال بالقفز فوق بعض المهام العقلية واستخدام قدراتهم العقلية فقط لاختيار بعض الأشياء القليلة. ومن المفترض أن تكون النتيجة زيادة كبيرة أخرى في الإنتاج.
وفي الجانب السلبي، إذا كانت المهام القابلة للتنفيذ عن طريق التعلم الآلي تزداد بسرعة كبيرة، فسوف تتسبب في خسارة الكثير من العمل لوظائفهم، وفي السير على غير هدى بعد أن يضطروا إلى تغيير مسمياتهم الوظيفية. قد يستطيع التعلم الآلي أيضاً أن يزيد من الاتجاه نحو إلغاء الوظائف الروتينية؛ مما يؤدي إلى خروج الطبقة الوسطى وزيادة الظلم.
كانت تلك صورة مبسطة لاقتصاديات التعلم الآلي – على أرض الواقع، يعني الاقتصاد أكثر من مجرد العرض والطلب. وفي بحث جديد، يقوم خبير الاقتصاد الأسطوري هال فاريان - الذي ساعد «غوغل» في تصميم نظام التسعير الذي يشكل ربحها الوفير – بمعالجة بعض القضايا الشائكة بشأن كيفية تغيير الماكينات الذكية البنية الصناعية في الاقتصاديات المتطورة. ليس كل ذلك مفيداً؛ لأن التعلم الآلي يسمح للشركات بتحديد المبلغ الذي يمكن العملاء دفعه لشراء الأشياء والاستيلاء على كل قرش بحوزتهم. ويمكن للتعلم الآلي أن يفاقم مشكلة هيمنة الشركات الكبرى؛ لأن العمليات الحسابية قد تتواطأ مع بعضها بعضاً للتلاعب بالأسواق من دون أن يشعر البشر بأن ثم مؤامرة قد حدثت.
في النهاية، فإن السبيل الوحيد لمعرفة ما يفعله التعلم الآلي بالاقتصاد هو أن ننتظر لنرى ما سيجري، ومن المهم أن نتوقع ونستعد للمشكلات الممكنة التي قد تنشأ. لكن كما كان الحال بالنسبة للكومبيوتر، فسوف تخرج الإنترنت والتكنولوجيا الصناعية نفسها والتعلم الآلي بمفاجآت لنا جميعاً.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»