محمود محمد الناكوع
TT

الحوار الوطني الليبي ودور الجامعة العربية

عندما انطلقت الانتفاضة في ليبيا في فبراير 2011 وتطورت إلى مواجهات عسكرية دامية بين السلطة الحاكمة وجمهور واسع من الشعب الليبي، تحركت أطراف عدة إقليمية ودولية لحماية الشعب الليبي من قسوة العنف الذي مارسته سلطة الاستبداد، وكانت الجامعة العربية هي المنظمة الإقليمية المعنية باتخاذ خطوة مهمة لدعوة المجتمع الدولي للتحرك، واتخاذ قرارات حاسمة لوقف المذابح والدماء جراء سياسات مجنونة، وفعلا أقدمت الجامعة بدعم من عدد من أعضائها إلى دعوة مجلس الأمن الدولى لاتخاذ قرارات حاسمة في صالح الشعب الليبي ودعم انتفاضته السلمية وتضافرت الأسباب إقليميا ودوليا لتؤدي إلى صدور قراري مجلس الأمن 1970 و1973 وقد تضمنا حماية المدنيين وحظر الطيران في الأجواء الليبية. والآن ها هي الجامعة العربية تستعد لخطوة أخرى مهمة جدا وهي رعاية الحوار الاقليمي ثم الوطني داخل ليبيا، والذي يهدف إلى جمع كل الأطراف الليبية السياسية للتحاور والوصول إلى توافق ينهي حالة الصراعات السلبية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن وزير الخارجية والتعاون الدولي السيد محمد عبد العزيز قد سعى باهتمام كبير إلى الاتصال بعدة أطراف وحث الجامعة العربية على اتخاذ خطوات عملية، وتجسدت تلك الخطوات في الاتفاق على تكليف السيد ناصر القدوة ليكون مبعوث الجامعة العربية، للقيام بالاتصالات والترتيبات المناسبة لتحقيق فكرة الحوار الوطني، وكانت عدة أطراف عربية قد أبدت استعدادها لرعاية واستضافة الحوار، إلا أن الاتجاه العام هو أن يتم الحوار على أرض الوطن، وتحت مظلة الجامعة العربية مع الترحيب بحضور منظمات وشخصيات إقليمية ودولية، ولا شك أن الوضع السياسي في البلاد يمر بمرحلة غاية في التعقيد، وغاية في ضيق الأفق لدى الكثير من الذين وجدوا أنفسهم في خضم معركة لم يستعدوا لها بحكم ماض كان يجرم الحزبية، ويحتكر العمل السياسي. ولعله من حسن حظ الشعب الليبي أن المجتمع الدولي يعمل بقوة على مساعدة الليبيين في بناء دولة حديثة قابلة للحياة، وأن توازن القوى لا يسمح لدولة معينة أن تستأثر بليبييا وثرواتها، فالكل يريد أن يدخل السوق الليبية عن طريق التنافس، وهذا أمر يجعل من ليبيا بلدا جاذبا للاستثمار والخبرات والمسؤولية تقع على الليبيين وقدراتهم فإما أن يكونوا في مستوى التحديات ويتعاملوا معها تعاملا إيجابيا ويجتازوا الكثير من المعوقات، وهي في عمومها سياسية ثقافية، وإما أن يختلفوا ويتنازعوا وتكون العواقب وخيمة، والانتخابات الماضية كانت علامة من علامات التقدم والنجاح رغم ضعف المشاركة، ورغم كل المحاذير والمخاوف فإن باب الرجاء والتفاؤل يظل مفتوحا، وإن من صنعوا الثورة ومن ساعدوهم هم القوة الضامنة للنجاح وبناء دولة تحترم حقوق الإنسان، وتحقق العدل والتنمية الشاملة ومؤتمر تونس البلد الجار الشقيق العزيز، والذي سيعقد في يومي 13/14 من يوليو الحالي، هو بداية المشوار في الاتجاه الصحيح لدعم الشعب الليبي في بناء دولة المؤسسات والقانون.
*سفير ليبيا لدى بريطانيا