مارك غيلبرت
TT

لندن وصفقات «بريكست»

لا ينبغي للأخبار التي نقلت أن «دويتشه بنك» الألماني قد حوّل ما يقرب من نصف أعماله، مع مقاصة الشركات الفرعية العاملة باليورو، من لندن إلى مدينة فرانكفورت، أن تكون من قبيل المفاجآت.
غير أنها تذكرة أخرى بأن الأموال تذهب إلى حيث تشعر بالارتياح والترحيب، وتبقى هناك حيث تلقى المعاملة التي تستحقها – ومن المتوقع في لندن فيما بعد «بريكست» أن تتحول إلى بيئة أكثر عدائية للتمويل.
وحتى وفق معايير العمل المصرفي الدولي، هناك الكثير من الأمور على المحك فيما يتعلق بمقاصة اليورو. فلقد أخذت لندن المسيرة من منافسيها الأوروبيين مع ميلاد مشروع العملة الأوروبية الموحدة؛ ومنح «بريكست» الأمل الكبير لمدينتي فرانكفورت وباريس، والمتظاهرين كافة في مجموعة سوق الأوراق المالية في لندن التي تهيمن على مقاصة الشركات الفرعية العاملة باليورو من خلال وحدة «إل سي إتش». لكن المدير التنفيذي للبورصة الألمانية ثيو فايمر صرح لتلفزيون شبكة «بلومبيرغ» الإخبارية في فبراير (شباط) الماضي، بأنه كان يهدف إلى الاستحواذ على حصة بمقدار 25 في المائة من هذه الأعمال، و«عندما يظهر الضعف على الخصم، ينبغي عندها توجيه عدد من الضربات الهجومية الخاطفة»، كما قال في مؤتمر حضره في يونيو (حزيران) الماضي.
وتحولت أعمال المقاصة على ساحة حرب رئيسية حول كيفية ضبط النظام المالي فيما بعد «بريكست». وفي يونيو من العام الماضي، حذر محافظ البنك المركزي البريطاني مارك كارني مما سماه «تجزئة» المهمة الإدارية التي سوف تسفر عن تكاليف إضافية تبلغ 22 مليار يورو (26 مليار دولار) تلك التي يجري «تمريرها في خاتمة المطاف إلى الأسر والشركات الأوروبية».
لكن في الشهر الماضي، أقرت لجنة برلمانية أوروبية مشروع قانون يمنح البنك المركزي الأوروبي صلاحيات صريحة في تصفية تعاقدات اليورو. ومن الواضح أن امتلاك شركة بقيمة 573 مليار يورو خارج نطاق الجهات الرقابية التابعة للاتحاد الأوروبي يجعل بروكسل وفرانكفورت في حالة من عدم الارتياح.
وتصوت المؤسسات المالية بالفعل في وجود الموظفين. على سبيل المثال، تقوم مجموعة «كريدي سويس» بنقل 50 من المصرفيين الاستثماريين من قسم تداول الأسواق العالمية إلى مدريد، كما ذكرت صحيفة «فوزبوبلي» الإسبانية مؤخراً.
وتأتي أنباء انتقال «دويتشه بنك» وأعمال المقاصة إلى فرانكفورت، حسبما ورد في صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، دائماً مع التحذير. وقال ستيفان هوبس المدير التنفيذي لـ«دويتشه بنك» للصحيفة «إنه الموظف نفسه العامل في لندن الذي يوافق على التحويلات والمعاملات».
لكن يبدو هذا في الوقت الحالي فقط، ففي غضون عام أو عامين، لماذا يكون من المنطقي بالنسبة لإحدى الشركات الألمانية أن توظف جين الإنجليزية مثلاً في لندن للموافقة على تصفية الشركات التابعة العاملة باليورو، بدلاً من الموظف فولفغانغ الألماني العامل في فرانكفورت؟
والخطر الواضح والداهم على وضع مدينة لندن باعتبارها المركز المالي في أوروبا، لا يعتبر نزوحاً لمرة واحدة لآلاف الموظفين الذين يغادرون في الوقت نفسه، بل إن الأمر يتعلق بالوظائف التي لم تعد تظهر في لندن - والمناصب التي يجري شغلها بدلاً من ذلك في لوكسمبورغ أو دبلن أو باريس. وبالنسبة إلى أي بنك استثماري يختار أين يوظف متداول السندات الألمانية، أو مسؤولة مبيعات السندات الإيطالية، أو المصرفي المسؤول عن علاقات الأموال السيادية، فلماذا سوف تحتاج إلى تخصيص مكان معين لهم في لندن؟
إن قصة الضفادع والماء المغلي ليست صحيحة بعد كل شيء. فما الذي يدفع الضفدع للمكوث في الماء المغلي حتى يموت؟ بدلاً من ذلك، سوف يحاول بكل قوة القفز خارج الوعاء، بمجرد أن ترتفع درجة الحرارة للمستوى الذي يشعره بعدم الارتياح. لم تبلغ مدينة لندن هذا المستوى من عدم الارتياح بعد؛ لكن مع تزايد احتمالات مغادرة المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي من دون إبرام صفقات، فإن عدد الممولين الذين سوف يغادرون «سيتي أوف لندن» سوف يزداد تبعاً لذلك.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»