سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

عالم يطرد العلماء!

في مذكرات الدكتور شريف بسيوني، التي أعدتها نادية التركي بمهنية وجدية ومهارة، أكثر من مفترق. نتأكد من سرد السيرة أن الرجل واحد من أهم علماء القانون الدولي. وأنه من مؤسسي أهم المحاكم وواضعي أهم القوانين، وأن رؤساء أميركا استشاروه في أعقد قضاياهم.
كيف خرج بسيوني من مصر؟ هاربا. حاولت المخابرات أن تجنده في فرق التعذيب، فرفض، فمنع من مزاولة أي عمل. وفي النهاية ساعده بحار إيطالي على ركوب باخرة من الإسكندرية. ماذا لو بقي شريف بسيوني وأحمد زويل ومجدي يعقوب في مصر؟ ماذا لو كان كارلوس غصن وكارلوس سليم في لبنان، وكارلوس منعم في سوريا، وليس في الأرجنتين، التي أصبح رئيسها؟ هل كان يحلم أن يصبح رئيس النادي الرياضي في بلدته يبرود؟
مذكرات الدكتور بسيوني، خلافا لقاعدة التذكر العربية، ليس فيها نفخ ولا انتفاخ. فيها تفاصيل ومعظمها مريع. تغرق قدمه في الرمال بليبيا ثم يكتشف أنها رماد بشري. يتيه مع مجموعته بين الفظاعات ثم يكتشف أنها واحدة عند الثوار وعند كتائب القذافي. يعرض علينا «أبو القانون الجنائي الدولي» سيرة مرحلة تدهورت خلالها كل معالم ومقومات التطور، خصوصا العلم. حتى مستوى التعليم في الجامعة الأميركية في القاهرة اختلف كثيرا. خرج العسكريون من الثكنات على الجامعات. صار القيم على العلوم في ليبيا الملازم معمر القذافي، ووزير العلوم في العراق صهر صدام حسين، وقتيله في ما بعد.
مذكرات بسيوني حكاية عالمين، واحد يعيش في القانون، وواحد في الفظاعة. وحكاية تكاية بيروقراطية سلحفاتية تدعى الأمم المتحدة، يموت الألوف بين يديها وهي تفتش عن بند ضائع في قانون غير موجود.
تبحر في مذكرات القاضي بسيوني كأنك غارق في كابوس، مثل يوغوسلافيا، مثل ليبيا. النظام قاتل والثوار فظاعات والأسرة الدولية ليست في عجلة من أمرها. حيثما هُزمت غابة القذافي وأولاده لم يحل القانون بل فوضى الفساد والموت. كم يصعب عليك أن تكون ممثل القانون في هذا العالم! المخالفون والمرتكبون في اليمين وفي اليسار.
هل تعرفون من تريد أن تحاكم «محكمة الزنتان»؟ تريد محاكمة «المحكمة الجنائية الدولية» لأنها حاولت الاتصال سرا بسيف الإسلام القذافي. كأنما الاتصال القانوني به كان مفتوحا مثل محاكم السويد. لا يجوز أن يكون القانون مثل المرتكب.