محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

قابلية تقديس القياديين

لا يبدو أنه ينبع من فراغ، ما نشاهده في العالم العربي من تهافت الناس على تقديس قيادي لا يتحلى بالحد الأدنى من مقومات القيادة. فبعد جهد بحثي هائل لأشهر من أصّل علمياً للاختلافات بين الشعوب، تبين أن معشر العرب لديهم ميل ملحوظ وأكثر من الغربيين لتقبل أن يقودهم من هو أقل كفاءة.
فالباحث الكبير هوفستد وجد في أبحاث فريقه التي جمعت في نحو ألف صفحة بمجلد ضخم، أن العربي لديه استعداد كبير لأن «يقبل» أن «يوسد الأمر لغير أهله» أو بعبارة أخرى لديه «توقع» أو استعداد للقبول بألا يكون الرجل المناسب في المكان المناسب! غير أن الأمم الغربية تنفر من هذا الأمر ولا تقبل به ولا تتوقع أن يقودها شخص غير كفء. وبلغة الأرقام حصل العرب على درجة 90 في مقابل 35 لبريطانيا و40 لأميركا في مؤشر power distance أو «مسافة السلطة». وهو مؤشر يقيس إلى أي مدى يقبل الناس بأن يقودهم أو يتبوأ أحد في مجتمعهم منصباً رفيعاً لا يستحقه.
واللافت أن الأفراد العرب الأقل سلطة في بيئات العمل وخارجها «يتقبلون» أي سلطة فوقهم، وإن كان فيها نزعة استبدادية أو أبوية، بل يعترفون بأن هؤلاء الذين يقودون إنما يستمدون قوتهم بحكم موقعهم في الهيكل الهرمي بالمؤسسة التي يعملون بها.
وربما لهذا البعد الثقافي الذي ننفرد فيه عن الغرب (مسافة السلطة) دور في التفافنا حول شيخ القبيلة أو العشيرة. وهو أمر تنظيمي محمود غير أنه قد يصبح مثيراً للقلق حينما لا يمتلك القائد الحد المطلوب من مقومات القيادة. وقس على ذلك إدارة دفة إدارة صغيرة أو وزارة.
المشكلة الأخطر حينما يملك زمام أمور الناس ديكتاتور ينكل في شعبه ويشردهم، لأنه يُؤْمِن بمقولة «لا أريكم إلا ما أرى». فلا تنفع معه أي نصيحة. فيصبح مثالاً قبيحاً لمقولة «السلطة المطلقة مفسدة مطلقة». وكم من مسؤول يسير نحو الهاوية لأنه يتعمد تجاهل نداءات من حوله.
وربما تكمن المشكلة فينا كعرب، بأننا لا ندرك كيف نخاطب القائد وننصحه بصدق بالسر، بدلاً من التعريض به أمام الملأ فينقلب علينا. فلو حاول كل منا التعامل مع القائد بحسب تقاليد المجتمع وعاداته، ووضع المسؤولون الشخص المناسب في الوقت المناسب لصار حالنا أفضل.

[email protected]