تقترب الحرب الكارثية في سوريا مما يمكن أن يشكل نهاية دبلوماسية، بحيث تصوغ الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل اتفاقاً يضمن للرئيس السوري بشار الأسد الاحتفاظ بالسلطة، مقابل تقديم روسيا تعهدات بكبح جماح النفوذ الإيراني.
أصبح كبح جماح القوة الإيرانية الهدف الوحيد الكبير لإدارة ترمب في سوريا بعد أن أوشك تنظيم داعش على الاختفاء تماماً. ويبدو الرئيس ترمب على استعداد لإقرار سياسة تضفي شرعية على الأسد، رغم أنه حاكم استبدادي استخدم الغازات السامة ضد أبناء شعبه، والتخلي عن المعارضة السورية التي تولت الولايات المتحدة تدريب وتوفير السلاح لجزء منها.
وقد تأرجحت سياسة ترمب تجاه سوريا ذهاباً وإياباً مثل كرة المضرب. أما العنصر الأكثر ثباتاً بها فكان تشككه في الالتزامات العسكرية تجاه الشرق الأوسط، التي تعهد بها الرئيسان الأميركيان السابقان جورج دبليو بوش وباراك أوباما. وخطوة بخطوة يبدو أنه يتخلى عن هذه الالتزامات.
وفي الوقت الذي تجري مناقشات دبلوماسية حول سوريا يستعد ترمب لاجتماع قمة في 16 يوليو (تموز) مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويبدو دبلوماسيون أجانب ومسؤولون بالإدارة غير واثقين مما ستحويه أجندة القمة، لكن من المحتمل أن تتضمن الوضع في سوريا.
من بين الجوانب اللافتة في الاتفاق السوري المحتمل أنه يقف خلفه تعاون وثيق بين روسيا وإسرائيل. بالنسبة إلى أجندة إسرائيل فإنها تشبه أجندة ترمب من حيث إنها تركز على نحو الوقوف في وجه إيران، ويبدو أن الإسرائيليين خلصوا إلى نتيجة مفادها أن بوتين يعد شريكاً إقليمياً يمكن الاعتماد عليه في هذا الأمر.
وكشف خبراء إسرائيليون وأوروبيون وأميركيون بعض العناصر المحتمل وجودها في هذا الاتفاق الذي سيمثل إطار عمل. مقابل سحب الولايات المتحدة مطالبها بفترة سياسية انتقالية في سوريا، سوف تدعم روسيا إجراءات مختلفة لاحتواء القوة الإيرانية منها:
- ستبقى القوات المدعومة من إيران على بُعد 80 كيلومتراً على الأقل من الحدود الإسرائيلية بمرتفعات الجولان.
- ستحصل إسرائيل على تصريح روسي ضمني بمهاجمة أهداف إيرانية داخل سوريا، تعتبرها مصدر تهديد لها ما دام أن هذا لا يمس جنوداً روسيين. وقد مارست إسرائيل بالفعل حرية تحرك في الأسابيع الأخيرة ووجهت ضربة إلى قواعد سرّية إيرانية، وأعاقت محاولة طهران فتح «جبهة ثانية» سورية في مواجهة إسرائيل، بحيث تكمل «حزب الله» في لبنان.
- سيعزز جيش الأسد بدعم من قوة جوية روسية سيطرته على جنوب غربي سوريا، واستعادة مناطق على الحدود الأردنية. يفضل الأردن سيطرة الأسد على الحدود، لأنه قد يسمح بعودة حركة الشاحنات ويعزز بذلك الاقتصاد الأردني الذي يعاني أزمة نقص في النقد. ومن الواضح أن قوات المعارضة في الجنوب الغربي ستترك لها مهمة الدفاع عن نفسها بنفسها. ومع تدفق الآلاف من اللاجئين السوريين الجدد باتجاه حدود أردنية مغلقة، من الممكن أن تقع مذبحة جديدة لمدنيين محاصرين.
- ستنظم شرطة عسكرية روسية دوريات في مناطق بجنوب غربي سوريا، وربما مناطق أخرى، في محاولة لإقرار الاستقرار في هذه المناطق. لكنّ دبلوماسياً أوروبياً حذّر من أن أي توقع أن تحقق القوة الروسية الأمن لا يقوم إلا على «الأمانيّ لا الواقع». أما الولايات المتحدة فسوف تحتفظ في الوقت الحاضر بحاميتها في التنف بجنوب سوريا، وسوف يمد نظام الأسد دائرة نفوذه إلى شمال شرقي سوريا في مناطق تعاونت فيها قوات كردية بنجاح مع قوات العمليات الخاصة الأميركية لهزيمة «داعش» واستعادة الاستقرار. ويأمل قادة أميركيون أن تتمكن قوات أميركية من البقاء لمدة 18 شهراً أخرى أو ما يقرب من ذلك. لكن ترمب أعرب عن نفاد صبره حيال هذه المهمة.
أما قادة المعارضة السورية فيشعرون بخيبة أمل مريرة تجاه الاتفاق الذي تتشكل ملامحه في الوقت الحاضر، وحذر أحدهم من أن الإجراءات الأميركية ستشكل حاضنة لحركات جهادية مستقبلية. وتشعر دول أوروبية لديها حلفاء محوريون سريون داخل سوريا، بريبة عميقة تجاه مدى إمكانية نجاح الخطة المناهضة لإيران.
وأخبرني دبلوماسي أوروبي أن: «بريطانيا وفرنسا حذّرتا الولايات المتحدة من أنه من غير المحتمل بدرجة بالغة أن يكون لدى الروس وجود على الأرض كافٍ لطرد النفوذ الإيراني» من المناطق التي تهيمن عليها في الوقت الحالي.
ويشعر الكثير من مسؤولي البنتاغون بالقلق إزاء استعداد ترمب للإذعان أمام النفوذ الروسي في سوريا -والتخلي عن مكاسب انتزعتها الولايات المتحدة بصعوبة- لكن يبدو أنهم غير قادرين على فرض وجهة نظرهم.
وبينما يستعد بوتين للمشاركة في القمة، من المناسب التوقف برهة لتقييم مدى براعته في ممارسة نفوذه. لقد أصبحت روسيا شريكاً إقليمياً لا غنى عنه يساعد في حفظ التوازن، وتلعب دوراً كانت تفخر بالاضطلاع به ذات يوم الولايات المتحدة. ونجحت روسيا بصورة ما في الحفاظ على علاقات طيبة مع إيران وإسرائيل، في الوقت الذي تعزز علاقاتها مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتخوض محادثات مع السوريين الأكراد وخصومهم في تركيا.
لقد نجح بوتين في إخضاع أعدائه دون قتال، واتخذ موقفاً حاسماً في سوريا بأقل تكلفة ممكنة، والآن يبدو أن ترمب سيؤكد انتصار بوتين الكبير في سوريا.
* خدمة «واشنطن بوست»
7:20 دقيقة
TT
هل يمنح ترمب نصراً في سوريا لبوتين؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة