د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

المهاجرون قضية تنغص العالم

يمكن القول إن ملف المهاجرين لم يعرف حوله انقساما في أوروبا ولا هيمنة للمواقف المتصلبة الرافضة للمهاجرين كما يحصل منذ أشهر. وهي مواقف يطغى عليها المعاداة الصريحة المباشرة والرفض الراديكالي. واللافت للانتباه أمام كمية العداء الظاهرة والمعبر عنها كلاماً وإجراءات، أنّها معاداة تنطوي على تناقضات سواء بالنظر إلى قيم الانفتاح والإنسانيّة الرحبة التي قامت عليها أوروبا الحديثة التي تتبنى قيم الحرية وحقوق الإنسان أو من ناحية ما يدعيه العالم بكل مكوناته اليوم من أنه أصبح قرية صغيرة وأنه لا معنى للحدود وأن السفر والتنقل حق من حقوق الإنسان.
هناك تناقضات غير مفهومة تؤكد أن فئة في أوروبا اليوم تجاهد من أجل انغلاق أوروبا وتأخذها في اتجاه التطرف ورفض الآخر أو القبول المشروط للآخر خصوصاً أن المهاجرين المرفوضين هم مرفوضون لانتمائهم الديني والعرقي، بل إن التطرف قاد البعض إلى رفض حق اللجوء والدعوة إلى إغلاق الحدود.
كما لا يخفى أن ملف المهاجرين أصبح سياسياً في المقام الأول، وهو من العوامل القوية والأساسيّة لصعود اليمين المتطرف الذي أصبح يستميل الناخبين باستثمار ملف المهاجرين واتخاذ موقف معادٍ ورافض لوجودهم.
أعتقد أن هناك نقطة مهمة لا تطرح كلما فتح ملف المهاجرين السريين وهي أن تزايد ظاهرة الهجرة السرية من أسبابه القوية انسداد أفق وسبل الهجرة النظامية، حيث أصبحت التأشيرة حلماً للمغاربيين والأفارقة وهي تكاد تكون ممنوعة على الشباب والمعطلين عن العمل. بل إنه حتى النخب في بلدان المغرب العربي وأفريقيا، ونقصد منهم الكوادر الجامعية والطبية وغير ذلك، تتحصل على تأشيرة للسياحة أو للحضور في تظاهرة علمية بشق الأنفس.
فالواضح أن العرب والمسلمين والأفارقة غير مرحب بهم أوروبياً لا بشكل نظامي أو غير نظامي. وهو ما يفسر حالة التواطؤ الموجودة منذ أشهر طويلة وتفضيل أن يموتوا غرقاً ويلتهمهم الحوت على أن يصلوا للمدن الأوروبية؛ ذلك أن الأعداد المهولة التي نسمع عن موتها غرقاً في البحر الأبيض المتوسط هي تعود - في سبب مهم من الأسباب - إلى تواطؤ مقصود من قوات المراقبة الأوروبية.
ويكفي أن ننظر في أرقام الغرقى الذين وصل عددهم خلال هذا العام حتى الآن إلى أكثر من الألف غريق. ففي ضوء هذا الفهم نضع فزع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من الأعداد المتزايدة للمهاجرين واللاجئين الذين يفقدون أرواحهم في البحر داعية إلى تحرك دولي عاجل.
ولكن أغلب الظن أن هذه الدعوة لن تلقى الآذان الصاغية.
أيضا لا تفوتنا الإشارة إلى موقف الإدارة الأميركية من المهاجرين وكيف أنه لم تتوانَ قبل تراجعها عن فصل الأطفال عن آبائهم في الحدود الأميركية المكسيكية وكيف أن الولايات المتحدة لم تجد حرجاً بسبب الانتقادات التي وصلتها من إعلان انسحابها من «الميثاق العالمي للهجرة» الذي يلتزم تحسين ظروف اللاجئين والمهاجرين، دون أن ننسى أن الرئيس الأميركي عبر عن موقفه إزاء المهاجرين في حملته الانتخابية وهو كما نعلم موقف الجمهوريين الذين يدعون إلى إقامة جدار مع المكسيك.
إذن معاداة المهاجرين هي ظاهرة دوليّة بامتياز. وأصبحت الدول القوية لا تريد من الدول التي تعيش مشاكل اقتصادية إلا استيراد أدمغتها المتفوقة فقط.
طبعاً موضوعياً هناك مشاكل حقيقية في ملف المهاجرين غير النظاميين، ولكن المشكل الذي يثير الانتباه هو المعالجة غير الإنسانية وغير الأخلاقية للموضوع؛ ذلك أن يصبح الموت غرقاً نصيب من يحلم بواقع أفضل إنما يعد نتيجة مخجلة لكل العالم.
العالم يتغير وتمثلات المهاجرين حول أوروبا والولايات المتحدة لم تتغير: ما زالوا يعتقدون أن أميركا بلد تحقيق الأحلام وأن أوروبا جنة في حين أن هذه الدول لا تخلو من مشاكل اقتصادية أيضاً رغم الاستقرار والتنمية.
لا شك في أن غرق المهاجرين الذين لا ذنب لهم غير الحلم بواقع أفضل تتحمله في المقام الأول دولهم التي فشلت في تحقيق الحد الأدنى من توقعاتهم. وفي هذا السياق نضرب مثلاً تونس حيث أبرزت وزارة الداخلية الإيطالية في ديسمبر (كانون الأول) 2017 أن عدد المهاجرين التونسيين غير الشرعيين إلى الدول الأوروبية تضاعف 17 مرة مقارنة بإحصائيات 2016. ومؤخراً عاشت جزيرة قرقنة في صفاقس كارثة إنسانية بأتم معنى الكلمة ذهب ضحيتها عشرات الغرقى من الشباب والنساء. بمعنى آخر فإن ظاهرة الهجرة السرية هي نتاج الإكراهات الاقتصادية والفقر والبطالة والتأشيرات المستحيلة واليمين المتطرف في أوروبا الذي أصبح يمارس السياسة باستثمار ورقة المهاجرين والربط بينهم وبين الإرهاب وأنواع الشر كافة.
ومهما تكن الأسباب والمسببات فإن ظاهرة الانغلاق الأوروبي وصمت العالم في زمن التبجح بحقوق الإنسان بموت الآلاف غرقاً، يمثلان وصمة عار على جبين العالم.