أحمد دياب
باحث وصحافي مصري - نائب مدير تحرير مجلة {الديمقراطية} - مؤسسة {الأهرام} - مصر
TT

هل تصبح إيران معبرا للناتو إلى أفغانستان؟!

تاريخيا، شكل الموقع الجغرافي لأفغانستان عقبة كبيرة أمام كل القوى التي حاولت احتلال هذا البلد، فهي حبيسة في قلب اليابس الآسيوي الهائل، بعيدة عن البحار والمحيطات، بل والأنهار الكبيرة، لا يمكن الوصول إليها إلا عبر البر والجو، وهما مساران لا تجعل طبوغرافية البلد منهما أمرا ميسورا على كل حال، إذ تبدو أفغانستان معلقة في «سقف العالم» و«معتقلة» فيه، معزولة عن جيرانها (والعالم) وعازلة بينهم. فموقعها هضبة مرتفعة تطل على شبه القارة الهندية في الجنوب وعلى آسيا الوسطى والقوقاز في الشمال وعلى الصين في الشرق وعلى إيران في الغرب، وتشكل الطبيعة الجبلية الوعرة لأفغانستان ووديانها شبه المغلقة على نفسها بالقمم العالية، ومناخها القاري القاسي، بيئة غير مواتية لدخول هذا البلد أو الاستقرار فيه.
وقد شكل موقع أفغانستان تحديا كبيرا للقوات الأميركية لاحتلاها عقب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ليس على الصعيد العسكري، حيث لم تستغرق عملية الإطاحة بطالبان مدة شهر واحد، وتكفلت بها القوات الجوية وقوات التحالف الشمالي بزعامة أحمد شاه مسعود، بل كان التحدي الأساسي على الصعيد اللوجيستي (الإمداد والتموين)، إذ وصف نائب أميرال البحرية الأميركية السابق آلان تومسون العمليات في أفغانستان بأنها «أصعب مهمة لوجيستية نواجهها منذ الحرب العالمية الثانية». ذلك أن إرسال أكثر من 100 ألف جندي أميركي، علاوة على أكثر من 50 ألفا آخرين من دول الناتو، وتوفير المؤن والمعدات لهم على مدى أكثر من 12 عاما كان تحديا كبيرا بالفعل. فطرق قوافل الإمدادات البرية من باكستان المجاورة كانت تتعرض دائما لهجمات وعمليات خطف من جانب عناصر طالبان في ممر «خيبر»، على الحدود بين باكستان وأفغانستان، والأهم من ذلك أن الولايات المتحدة كانت - ولا تزال - ترى في رجال المخابرات الباكستانية السابقين مصدرا لعدم الثقة، في ظل الشكوك التي تحدثت عن تورط بعضهم في تقديم معلومات لمقاتلي الحركة بخصوص طرق الإمداد.
وبما أن الجيوش تجري على بطونها، لم تجد الولايات المتحدة مفرا من الاستبدال بهذه الممرات مسارات أخرى، ففي يناير (كانون الثاني) 2009 زار قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال ديفيد بترايوس جيران أفغانستان على حدودها الشمالية، حيث توصل إلى اتفاق مع روسيا ودول آسيا الوسطى بشأن طرق إمداد جديدة لقوات التحالف في أفغانستان، غير أنه إذا كانت هذه الطرق أكثر أمنا، فإنها بالمقابل أبعد مسافة وأطول زمنا وأكثر كلفة اقتصادية، ولا تخلو من مساومات سياسية تتعلق بدور روسيا في أفغانستان وآسيا الوسطى. هذه الصعوبات دفعت - سابقا - واشنطن إلى التفكير في ما لا يمكن التفكير فيه، ففي 12 مارس (آذار) 2009، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن مسؤولين عسكريين أميركيين يعكفون على استكشاف طرق بديلة لنقل الإمدادات إلى القوات الأطلسية في أفغانستان حتى عبر إيران، من خلال محادثات ثنائية بين الولايات المتحدة وإيران خاصة بالإمدادات تجري على الأسس الحالية بين أعضاء في حلف الأطلسي وطهران. وذكرت الصحيفة أن مسؤولي البنتاغون والأطلسي يفكرون في طرق عبر إيران من ميناء «شاباهار» على بحر العرب إلى طريق جديد تقيمه الهند في غرب أفغانستان.
وفي الوقت الحالي فإن التفكير في هذا المسار البديل يأخذ منحى جديا بالنظر إلى عدة اعتبارات ومستجدات:
1- التقارب الأميركي - الإيراني بعد الاتفاق المؤقت بين إيران والدول الست الكبرى في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لتسوية الملف النووي الإيراني، وفي هذا السياق تبدو طهران مستعدة لتقديم دعم لوجيستي للقوات الأميركية المنسحبة، لكنها تربط ذلك بتطورات الاتفاق النووي وما قد يشمله من تفاهمات إقليمية على الصعيدين الأمني والسياسي، ويبدو أن تعاونا من هذا النوع يمكن أن يكون قابلا للنقاش في حال سارت مفاوضات الملف النووي باتجاه إغلاقه وعودته إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد أن يُعترف بحق إيران في اقتناء «الدورة الكاملة للتقنية النووية».
2- عجز السلطات الباكستانية عن تلبية المتطلبات الرئيسة لواشنطن لجهة ضمان انسحاب آمن للقوات الأميركية و«الأطلسية» من الأراضي الأفغانية بحلول نهاية العام المقبل. وبدا أن وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل، الذي قام في 9 ديسمبر (كانون الأول) الحالي بزيارة لباكستان هي الأولى من نوعها منذ أربع سنوات، فشل في تلبية طلب إسلام آباد وقف غارات الطائرات بلا طيار التي تستهدف معاقل المتشددين غرب باكستان، ما يفاقم حال العداء للأميركيين في الشارع الباكستاني ويوجد بيئة غير مواتية لتدفق إمدادات قواتهم إلى أفغانستان، ناهيك بضمان انسحاب آمن لهذه القوات، خصوصا بعدما طالبت أحزاب المعارضة الباكستانية بقيادة حركة «الإنصاف» بزعامة عمران خان الحكومة بإغلاق طرق الإمدادات إلى أفغانستان في حال لم تستطع الحكومة الباكستانية وقف هجمات الطائرات بلا طيار الأميركية. والمعروف أن حركة «الإنصاف» تتولى السلطة بإقليم «باختونخوا» شمال غربي البلاد، حيث ممر «خيبر» أحد طرق الإمداد الرئيسة إلى قوات الناتو في أفغانستان.
3- توقيع إيران وأفغانستان معاهدة تعاون استراتيجية طويلة الأمد، تأخذ في الاعتبار الخلافات المستحكمة بين كابل وإسلام آباد، ولم تكن محادثات الرئيس الأفغاني حميد كرزاي في طهران، التي تزامنت مع زيارة وزير الدفاع الأميركي إلى إسلام آباد، بعيدة عن استحقاق انسحاب القوات الأجنبية، إذ سربت مصادر أميركية، مرارا، كلاما عن حاجة قواتها إلى مساعدة دول الجوار الأفغاني، لاستكمال الانسحاب، في ظل قلق لدى واشنطن من الإغلاق المتكرر لطرق الإمداد «الأطلسية» في باكستان ووجود مسلحي «طالبان» عل الحدود الأفغانية - الباكستانية، في حين أن الحدود مع طاجيكستان لم تعد آمنة، إضافة إلى صعوبات لوجيستية في نقل معدات وجنود عبر شمال أفغانستان المتاخم للحدود الطاجيكية.

* نائب مدير تحرير مجلة «الديمقراطية» بمؤسسة «الأهرام»