باري ريثولتز
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

التعلم من الأخطاء الفادحة

نظرت مؤخراً في 10 كتب كنت أرغب في مراجعتها خلال موسم القراءة الصيفية. وانتهيت من أول كتاب، بعنوان: «الدماء القبيحة: أسرار وأكاذيب شركة وادي السيليكون الناشئة» من تأليف الصحافي جون كاريرو الحائز جائزة «بوليتزر» الأدبية، وذلك خلال عطلة نهاية الأسبوع الفائت. الكتاب يحكي قصة شركة «ثيرانوس» الناشئة العاملة في مجال اختبارات الدم، التي بلغت قيمتها السوقية عند مرحلة من المراحل نحو 9 مليارات دولار، مما جعلها واحدة من أكبر الشركات الناشئة التي تجاوزت قيمتها مليار دولار في العالم. واليوم صارت لا قيمة لها على الإطلاق.
أثارت صحيفة «وول ستريت جورنال» الشكوك والتساؤلات حول تكنولوجيا هذه الشركة للمرة الأولى في عام 2015، التي زعمت الشركة أنها سوف تجري سلسلة من الاختبارات عن قطرة دم وحيدة من وخزة إبرة بسيطة بدلاً من قنينات الاختبار المتعددة المطلوبة اليوم. وجمعت الشركة في الوقت ذلك أموالاً بلغت 700 مليون دولار من أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين من القطاع الخاص. وسرعان ما ظهرت إليزابيث هولمز، مؤسسة الشركة ومديرتها التنفيذية، وهي الطالبة السابقة المتسربة من جامعة «ستانفورد»، التي اتخذت لنفسها نموذجاً في الكفاح الذاتي مثل ستيف جوبز مؤسس شركة «أبل»، واحتلت الصفحات الأولى من مختلف المجلات والجرائد والمؤتمرات التكنولوجية. وقامت منذ الوقت ذلك بتسوية العديد من اتهامات الاحتيال والتزوير في الأوراق المدنية من قبل لجنة الرقابة الأميركية على الأوراق المالية والبورصات، كما قامت الشركة بتسريح أغلب الموظفين لديها، وبرغم ذلك تمكنت بطريقة ما من الحصول على قرض من أحد صناديق الأسهم الخاصة لمحاولة الاستمرار والعمل.
هذا ما نعرفه اليوم عنها وعن شركتها. وقبل ظهور كافة الأنباء السيئة عنها إلى العلن، كانت هناك سلسلة من التحذيرات التي تجاهلها أغلب المستثمرين والصحافيين على حد سواء. وهنا يكمن الدرس التحذيري الذي نقدمه اليوم.
سواء كان مسموحاً لشخص ما لا يحمل أي درجة علمية طبية كانت، ولم يكمل سوى عام واحد من الدراسة الجامعية المعنية، أن يسعى لإجراء هذا النوع الحساس من الأبحاث العلمية هو من التساؤلات الملحة التي لم تلق إجابة شافية. ولا يقترح الكتاب أن النوايا الأولية كانت احتيالية. فما بدأ كمسعى من المساعي النبيلة لتغيير كيفية إجراء اختبارات الدم تحول إلى نكسات عاجلة وفشل فوري. وبدلاً من التعامل مع هذه الأمور ومحاولة علاجها، تحولت إليزابيث هولمز وشريكها مهندس البرمجيات المدعو راميش صني بالواني، إلى الكذب الفج على الشركاء، والموظفين، والمستثمرين.
واستخدم جهاز «إديسون»، وهو اسم جهاز اختبار الدم في شركة «ثيرانوس»، في تقديم نتائج وهمية للاختبارات. لقد أنشأوا ماكينة زائفة تقدم نتائج مفبركة إلى المستثمرين المحتملين. ومن هناك، كانت سلسلة من القرارات - بعضها سيئ، وبعضها أسوأ، وبعضها احتيالي - سبباً في دخول الشركة إلى دوامة من الهلاك الذي لا محيد عنه.
وأسفر التعليق المروع للشكوك والتفكير النقدي من قبل الأشخاص الذين كان من الواضح أنهم على دراية بالأمور أكثر من ذلك. وهناك قائمة بقضايا إدارة الشركات التي تُقرأ كمثل دراسة الحالة في كلية إدارة الأعمال بجامعة «هارفارد» حول الممارسات السيئة للإدارة:
1 - صاحبة الشركة لم تخضع لأي نوع من التدريب الطبي، وليست لديها خبرة سابقة في التعامل مع الأجهزة الطبية، ولا تملك خلفية في إجراءات الرعاية الصحية، ولا شريكها المسؤول الثاني في الشركة كذلك.
2 - لم يأت أي من المديرين الأصليين في الشركة من مجال العمل في الأجهزة الطبية أو صناعة الرعاية الصحية.
3 - لم يسمح لأي مستثمرين من الخارج بفحص أجهزة وآلات الشركة عن قرب، ولم تكن هناك أي مناظرات بين الأقران أو أوراق بحثية تغطي التطورات الطبية التي زعمت الشركة تحقيقها.
4 - كانت السرية في شركة «ثيرانوس» عند أعلى درجاتها - وأكثر كثافة واتساعاً من اتفاقيات عدم الإفصاح المعتادة في شركات التكنولوجيا.
5 - كان معدل تبديل الموظفين مرتفعاً للغاية هناك؛ إذ غادر المسؤول المالي للشركة منصبه فيها في وقت مبكر للغاية عن المعتاد.
6 - تم تحييد كافة أصحاب رؤوس الأموال من ذوي الخبرات في الأجهزة الطبية، أو الرعاية الصحية، أو التكنولوجيا الحيوية من الاستثمار في شركة «ثيرانوس».
7 - كانت البرامج التجريبية الرائدة مع الشركات الطبية وشركات الرعاية الصحية إما تواجه عدم التجديد أو تُلغى على الفور.
8 - لم يتم تسليم التقارير المتعهد بها بشأن أداء التكنولوجيا المشمولة بحقوق الملكية الفكرية أبداً على الرغم من الوعود المتكررة من جانب المديرة التنفيذية للشركة.
9 - كانت التهديدات بالملاحقات القضائية ضد الموظفين السابقين والحاليين ذات طبيعة عدائية وواسعة النطاق.
10 - لم يكن لمجلس إدارة الشركة أي سيطرة، وكانت إليزابيث هولمز تملك 99 في المائة من حقوق التصويت، وكانت لوحة الإعلانات الرئيسية مفعمة بالكثير من النجوم الباهتة من العام الماضي، والكثير منها من الثمانينات والتسعينات.
كان أي من هذه العيوب يستلزم ويبرر التفتيش الفوري على أعمال الشركة من جانب المستثمرين والجهات الرقابية. وكانت أغلب البنود السابقة إما واضحة للغاية، أو يمكن اكتشافها من خلال العناية الواجبة الاعتيادية، حتى قبل الكشف عن جريمة الاحتيال.
لم يكن الجميع مخدوعين في إليزابيث هولمز. فلم يقتصر الأمر على ابتعاد الرأسماليين المغامرين عن مجال الرعاية الصحية التي تعمل فيه هذه الشركة، بل إن الأمر لفت انتباه الجيش الأميركي كذلك. إذ أدرك المقدم ديفيد شوميكر، نائب مدير قسم الأنشطة والمنظمة والامتثال في الجيش، على الفور، أن الأجهزة الطبية في شركة «ثيرانوس» لا بد أن تحصل على ترخيص رسمي من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية قبل استخدامها في إجراء التجارب على القوات الأميركية.
وبصرف النظر تماماً عن مالكة الشركة، التي تواجه التحقيقات الجنائية حالياً، ظهر لاعبان آخران من شركة «ثيرانوس» في صورة سيئة للغاية: وزير الخارجية الأميركية الأسبق جورج شولتز، والمحامي ديفيد بويز «أكبر ملاحق قضائي في أميركا». وكلاهما كانا مديرين في الشركة.
كان موقف السيد بويز أسوأ بكثير - ليس فقط لخبرته الواسعة في التقاضي والمحاماة والدفاع عن موكليه، ولكن كمثير للمشاكل وتهديد الآخرين. كانت التكتيكات التي استخدمها بويز في تخويف موظفي الشركة السابقين، ومحاولة إسكات صحيفة «وول ستريت جورنال»، المحققين الخاصين، والتهديد بقضايا التشهير، والمطالب العدائية بالتوقيع على اتفاقيات عدم الإفصاح المجحفة - كانت مادة المقالات التي نشرتها لاحقاً مجلة «نيويوركر» بأنها التكتيكات نفسها التي استخدمها بويز بالنيابة عن منتج الأفلام السينمائية المخذول هارفي وينشتاين في إسكات النساء من ضحاياه في اتهامات التحرش الجنسي والأفعال الفاضحة.
إن الاعتماد على القصة وعلى الافتراضات بأن الآخرين قد قاموا بالأعمال الشاقة وبالعناية الواجبة قد تحول إلى نتائج كارثية بالنسبة إلى مستثمري شركة «ثيرانوس». الأمر الذي يعد مثل الدرس القاسي للمراقبين الأذكياء كي يتعلموا من هذه الأخطاء الفادحة.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»