زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

سحر عيون توت

قضيت النصف الأول من هذا العام في كتابة مؤلفي الجديد عن ملك مصر الصغير، توت عنخ آمون، باللغة الإنجليزية، وقد ضمنته قصة الكشف عن أروع كنز أثري يكتشف في عالمنا إلى الآن، وحدث أن تعرضت في كتابي لما حدث في مصر أعقاب الكشف من مشكلة ضخمة بين المكتشف الإنجليزي هوارد كارتر وممول الحفائر لورد كارنانفون من ناحية، والحكومة المصرية من ناحية أخرى، وذلك بعد رغبة كارتر وكارنانفون اقتسام كنز الملك توت مع مصر.
ومات كارنانفون في مصر بعد الكشف بأقل من أربعة أشهر لتنتشر في العالم كله قصص عن لعنة الفراعنة، والتي ارتبطت بالكشف عن مقبرة الملك توت عنخ آمون، ولم يكن العالم مستعدا لسماع أي صوت ينفي وجود ما يسمى لعنة الفراعنة، خاصة بعد أن مات الصحافي الفرنسي على مدخل المقبرة دون سبب بعد أن قطع آلاف الأميال من أوروبا إلى مصر لكي يرى المقبرة الجديدة المكتشفة، ولكن فاضت روحه على مدخل المقبرة قبل أن يرى الكنز المثير.
وفي الأسبوع الماضي سافرت إلى الكثير من العواصم الأوروبية لتقديم وتوقيع كتابي هذا، والذي ظهر الشهر الماضي، وكانت العاصمة لندن هي أهم هذه المدن، وخصوصا لأن هوارد كارتر، مكتشف المقبرة، مدفون في جبانة بوتني فيل بعد أن أوصى بأن يكتب على مقبرته النص المدون على كوب من المرمر للملك توت معروف باسم كأس الأمنيات.
وتصادف مع وصولي إلى لندن انتشار أخبار من بعض الباحثين عن الشهرة يدعون أنهم اكتشفوا أن مومياء توت عنخ آمون التي اكتشفها كارتر وجدت متفحمة، وأن توت مات في حادث عربة حربية، وذلك من خلال تحليل جزء من جسد مومياء الملك قام بسرقته أحد علماء الإنجليز الذين فحصوا المومياء عام 1968، وقد حضر محاضرتي بلندن بعض علماء المصريات من متحف الأشمولين الذين يستعدون لإقامة معرض عن الملك الذهبي توت عنخ آمون.
وكان عليّ أن أفند آراء هؤلاء وأسانيدهم، وكانت فرصة طيبة لعرض النتائج العلمية التي توصل إليها الفريق العلمي المصري الذي شرفت برئاسته وكشفنا عن الحالة الصحية للملك الصغير الذي عاش حياته القصيرة عليل الصحة نتيجة زواج الأقارب، وانبهر الإنجليز بالأسرار الجديدة عن حياة وممات الملك توت، وكيف أنه لا يوجد دليل واحد على تفحم مومياء الملك الصغير، وخصوصا لأننا فحصناها أكثر من مرة.
أما الموضوع الذي استقبله الإنجليز بترحاب شديد فهو صور الولد الصغير حسين عبد الرسول الذي كشف هذه المقبرة صباح يوم 4 نوفمبر (تشرين الثاني) وعمره تسع سنوات يقوم بإحضار المياه إلى العمال بموقع الحفائر وقادته الصدفة إلى الكشف عن درجة السلم الأولى المؤدية إلى المقبرة ويسجل الكشف باسم هوارد كارتر الذي تفاءل بحسين عبد الرسول وقام بوضع قلادة الملك توت على صدره من الأحجار الكريمة وأخذ له صورا رائعة ليصبح الصبي الصغير أشهر طفل في البر الغربي بالأقصر. وعندما وصل حسين عبد الرسول إلى سن الثمانين جرى تصويره وهو يحمل صورته بالقلادة وبعدما مات قام ابنه بتصوير نفسه وهو يحمل صورة أبيه وهو يحمل صورته مرتديا قلادة الملك توت.
والإنجليز معروفون بتحفظهم، وإنه من رابع المستحيلات أن تجعل إنجليزيا يضحك من قلبه، وهو ما حدث في محاضرتي عندما قصصت عليهم ما حدث لتلك الفتاة الأميركية التي سقطت مغشيا عليها أمام عشرة آلاف زائر وهي تقف أمام قناع الملك توت عنخ آمون عندما سافر في جولة إلى الولايات المتحدة، وعندما أفاقت من الغيبوبة قالت إنها شاهدت كاري غرانت، الممثل الأميركي الشهير بجوار القناع ولم تتحمل نظرات أجمل شابين في الدنيا، غرانت وتوت.