حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

وزارة ثقافة سعودية

لا تزال القرارات السعودية تصيب المتلقي بالدهشة وخصوصاً الذي لا يزال يقارن كيف كانت الأمور من قبل وكيف أصبحت اليوم.
تذكرت ذلك وأنا أتابع تعليقات الناس على الإعلان رسمياً بإنشاء وزارة للثقافة في السعودية. أنا من جيل درس الرسم والموسيقى والمسرح في مدارس الثغر النموذجية بجدة، وكان يذهب إلى السينما ويحضر حفلات لطلال مداح ومحمد عبده في مسرح التلفزيون، وشهد المنحوتات الجمالية على أيدي أهم الفنانين المحليين والعرب والعالميين تزين ميادين جدة وشوارعها، ثم فجأة وبشكل صادم حل الظلام وتعالت الأصوات الغليظة الحادة وأصبحت كل هذه المسائل «حراماً» و«ممنوعة» و«خطأ» بين ليلة وضحاها، وكأن من يمارسونها في السابق أناس أقل تقوى وورعاً.
واقعة أخرى تحضرني وأستلقي من الضحك كلما تذكرتها ولكنها مهمة جداً لاستذكار حجم الفجوة التي تخطتها السعودية في فترة قياسية وعبرت فيها ومن خلالها جسوراً على ضفتي الجهل والتخلف. الواقعة الطريفة هي أن قناصل الدول الأوروبية كانوا سنوياً يعقدون بينهم بشكل خاص «أسبوع السينما الأوروبية» تعرض خلاله في أحد مواقع القنصليات الأوروبية أفلام أوروبية لمدة أسبوع وذلك بدعوات خاصة، وفي سنة من السنوات قرر القنصل الإيطالي أن يذهب للخارجية السعودية لإبلاغ المسؤول الشاب في قسم العلاقات بها عن المناسبة وقال له القنصل الإيطالي إن مهرجان أسبوع السينما الأوروبية «هو جزء من الرسالة الثقافية لأوروبا» فما كان من الموظف الشاب إلا أن ضحك وقال «يا سعادة القنصل وما علاقة السينما بالثقافة»؟ وجاءني القنصل الإيطالي وحكى لي هذه الحكاية وهو غير مصدق. ولكني لا ألوم الموظف فهذا هو «الحشو» و«التلقين» الذي تم تعبئة عقله وعقل غيره به حينها.
ما حدث في السعودية اليوم باختصار شديد هو الإرادة السياسية في أوضح صورها. قرار القيادة السياسية بالتصدي للتناقضات والخطاب الظلامي المحرض (وعلى عكس ما كانت عليه الصورة في الثمانينات الميلادية وما بعدها). كان كل من يدعو لهذا النوع من الطرح، أي الاعتدال والوسطية والانفتاح والتسامح، يتم وعلى الفور وصمه بسلسلة لا تنتهي من الألقاب والأوصاف مثل العلمانية والليبرالية وأصحاب المشروع التغريبي والخونة وإلى غير ذلك من الأوصاف السيئة المعدة سلفاً. اليوم هناك حقيقة جديدة على الأرض السعودية. مشروع ثقافي يتشكل بخطاب ثقافي جديد أتمنى من القلب أن يكون بحق متبنياً للثراء والتنوع في الداخل السعودي والاحتفاء به واحترامه لعرضه والاعتزاز به في الداخل والخارج لأنه إذا لم نحترم التنوع الموجود في الداخل لن يقتنع أحد باحترامنا للتنوع الموجود في الخارج.
مع وزارة الثقافة الجديدة هناك سقف عال ومشروع من الطموحات وأولها القضاء على الازدواجية والتناقض. فكرة «السماح» ببيع بعض الكتب داخل معارض الكتاب في السعودية ولفترة محدودة ثم «منعها» من أن تباع بعد ذلك في المكتبات هي ليست فكرة غربية وغير مفهومة ولكنها مع الأسف مضحكة أيضاً. ونفس الشيء سيكون بالنسبة إلى المسرح والسينما بخصوص النصوص المسموحة والممنوعة. هل سيسمح بإنتاج بعض الأعمال «المثيرة للجدل» من النواحي الاجتماعية ولكن من المفروض طرحها للتوثيق سينمائيا مثل فيلم «جهيمان»؟ لدينا وزارة ثقافة، وأولى خطوات العمل للتو بدأت والمشوار طويل، والأهم أين كنا وإلى أين وصلنا.. لقد كان مشواراً من المد والجزر والصعود والهبوط وهدر الوقت في معارك مع طواحين الهواء.
فلنحتفل بالمرحلة فلقد هرمنا حتى وصلنا إليها.