مها عقيل
TT

الروهينغا... المنبوذون والمنسيون

لا تزال أقلية الروهينغا المسلمة تعاني الأمـرّين، فقد أُجبر أبناء هذه الأقلية على الفرار بحياتهم من الجحيم الذي اكتووا بناره في وطنهم ليسكنوا وسط التلال الطينية على الحدود المجاورة، قريبين من قراهم ومزارعهم، لكنهم لا يستطيعون العودة إليها خوفاً من القتل. فهم غير مرغوب فيهم في بلدهم ميانمار (أو بورما)، وينوء بعبء وجودهم البلد الذي استضافهم بنغلاديش، الذي يُعَد أحد أفقر بلدان العالم. وقد تجاوز عدد اللاجئين منهم إلى منطقة كوكس بازار الحدودية في بنغلاديش مليون لاجئ، أي أكثر من العدد المتبقي منهم في ميانمار. وهم يعيشون مكدسين في حال يُرثى لها في مخيمات للاجئين شُيِّدت بسرعة من الخيزران والبلاستيك وأكياس الخيش فيما أصبح يُعرَف بأسرع حالة طوارئ للاجئين نمواً في العالم.
وشَكَّل وصول أكثر من 700 ألف لاجئ من أقلية الروهينغا المسلمة إلى الحدود بين بنغلاديش وميانمار خلال أربعة أشهر بعد اندلاع موجة العنف الأخيرة ضدهم يوم 25 أغسطس (آب) 2017 وطأة إنسانية كبيرة وضعت هؤلاء اللاجئين على شفير انهيار إنساني كاد يحدث في الفترة بين فبراير (شباط) ومارس (آذار) الفائتين، لولا المساعدات العاجلة التي قُدِّمت لهم، لكنها لم تشفع للأزمة الإنسانية التي لا تزال تراوح مكانها من دون ظهور حل لها على أرض الواقع. واستمر تدفق اللاجئين بالآلاف وانضموا إلى أكثر من 300 ألف لاجئ كانوا قد فروا جراء سلسلة سابقة من أحداث العنف منذ عام 1990.
وكنت ضمن وفد لمنظمة التعاون الإسلامي زار مخيمات اللاجئين على الحدود البنغلادشية في يناير (كانون الثاني) 2018، حيث كان منظر المساحات الشاسعة من المخيمات المكتظة على سفوح التلال صادماً. واستمعنا لقصص الفارين المفزعة من عمليات قتل وحرق واغتصاب لم يرقُبْ مقترفوها في النساء ولا في الأطفال ولا في كبار في السن إلاًّ ولا ذمة. قد وصل كثير منهم وهو يعاني من إصابات وجروح بسبب العنف الجسدي وطلقات الرصاص والشظايا والنيران والألغام الأرضية؛ فقد عمدت القوات الحكومية في ميانمار وعصابات بوذية إلى حرق قرى المسلمين في ولاية راخين (أو أراكان)، وقتلهم والاعتداء عليهم فيما وصفته الأمم المتحدة بالمثال الصارخ للتطهير العرقي. وغالبية اللاجئين هم من النساء والأطفال، فهناك أكثر من 7700 طفل قد فقدوا آباءهم وأمهاتهم وذويهم، وليس لديهم من يعولهم، وأكثر من نصف اللاجئين دون سن السابعة عشرة.
ورغم جميع الجهود التي تبذلها حكومة بنغلاديش والدول والوكالات المانحة من أجل توفير الرعاية للاجئين، فلا تزال هناك حاجة إلى التحسين وإلى تقديم مزيد من المساعدة، ولا سيما في مجالات الإيواء والغذاء والتعليم والصرف الصحي والصحة، وبخاصة مع دخول موسم الأمطار في شهر مايو (أيار) ويونيو (حزيران)، وما هو متوقع من حدوث فيضانات وانزلاقات أرضية. وقد أعاد الوفد زيارة المخيمات الشهر الماضي على هامش انعقاد مؤتمر مجلس وزراء الخارجية لدول منظمة التعاون الإسلامي في بنغلاديش، وكان الوفد يضم عدداً من الوزراء والمسؤولين من الدول الأعضاء، وبالفعل كان الوضع أسوأ.
ومن المؤكد أنه لا يمكن أن تستمر الأمور على ما هي عليه حالياً، حيث يمكن أن تتدهور الأوضاع في أي لحظة عندما تبدأ الموارد المالية في التضاؤل أو خلال موسم الفيضانات؛ إذ ستكون هناك حاجة إلى مزيد من الجهود لتعزيز المرافق المتوافرة في المخيمات؛ وذلك نتيجة للأمطار الغزيرة وانتشار الأمراض التي تنتقل عبر المياه مثل الكوليرا والدفتيريا. وقد طلبت الأمم المتحدة مليار دولار هذه السنة لتلبية حاجات اللاجئين الروهينغا في بنغلاديش.
ونتيجة للضغط المتواصل من منظمة التعاون الإسلامي والمجتمع الدولي، وقّعت حكومة ميانمار، يوم 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، اتفاقاً إطارياً مع بنغلاديش لإعادة لاجئي الروهينغا إلى ميانمار.
وفي الواقع، فإنه ما لم تقم حكومة ميانمار بإعادة حقوق المواطنة المسلوبة من الروهينغا إليهم، فسوف يكون التقدم المحرز ضئيلاً، سواء بالنسبة لعودة اللاجئين إلى قراهم التي دُمّرت بالكامل، أو عدم تعرضهم للعنف والاضطهاد مجدداً. وعلى الرغم من أن المسؤولين في ميانمار قد وعدوا بإعادة الدفعة الأولى من الروهينغا، وقوامها 100 ألف لاجئ ممن يعيشون في مخيمات اللجوء في بنغلاديش، بدءاً من يناير 2018، وذلك بعد مناقشات مطولة وشاقة، لكن حتى اللحظة تستمر ميانمار في المماطلة والتأخير. ولا يزال اتفاق إعادة لاجئي الروهينغا يحتاج إلى أن الكثير من النقاط الجوهرية التي لم يتم التطرق إليها، وأهمها المراقبة الدولية لعملية الإعادة. كما لا يزال الأمر غير مؤكد فيما إذا كانت السلطات في ميانمار صادقة فيما أعلنته من أنها ستستعيد لاجئي الروهينغا، وما إذا كانت ستقوم بذلك بشكل يحفظ أمن الروهينغا وكرامتهم.
ولاحظ الوفد الذي زار مخيمات اللاجئين الروهينغا في تقاريره، أن اتفاق إعادة اللاجئين لن يحل وحده أزمة الروهينغا، حيث إنه لا يكفل مساءلة حكومة ميانمار، مشدداً في تقريره المفصل بأن المنظمة سوف تواصل مستعينة بجهود المجتمع الدولي المطالبة بالسماح للمراقبين الإنسانيين والدوليين بالدخول إلى ولاية أراكان؛ وذلك للتأكد من عودة اللاجئين بأمان وكرامة وضمان توفر سبل العيش لهم. وقد أعلنت حكومة ميانمار يوم الخميس الماضي أنها تعتزم توقيع مذكرة تفاهم مع وكالات الأمم المتحدة للمساعدة على تنفيذ اتفاق إعادة الروهينغا، وهو ما يدعو إلى التفاؤل الحذر.
كما أكد وفد منظمة التعاون الإسلامي، أنه ينبغي على السلطات في ميانمار بذل جهود جادة لمعالجة خطاب الكراهية ونبرة العداء ضد المسلمين السائدَيْن في المنتديات العامة وعبر وسائل الإعلام الرسمية. كما ينبغي تبني عملية للحوار الشامل وتعزيز الاحترام المتبادل والتعاون، وذلك من أجل التشجيع على استعادة التناغم والسلام بين المجتمعات المحلية. كما شدد الوفد على ضرورة تنفيذ ما خلُص إليه تقرير لجنة كوفي أنان؛ الأمر الذي، إن اكتمل، سيكون من شأنه حل أزمة وضع الروهينغا، وسوف يكون أساساً لتحقيق المصالحة بينهم وبين غالبية سكان البلاد البوذيين.