نوح سميث
كاتب في «بلومبيرغ»
TT

نتائج الأبحاث الاقتصادية والرأي العام

بوجه عام، طرح نتائج الأبحاث الاقتصادية على الرأي العام ليس بالمهمة اليسيرة، ذلك أن النتائج تميل نحو الغموض وتنطوي على كثير من التفاصيل. علاوة على ذلك، فإن الأبحاث عادة ما لا ترافقها إرشادات تشرح كيفية تطبيق نتائج الأبحاث على النقاشات العامة التي تجري على صعيد العالم الواقعي، هذه مهمة الخبراء. وبطبيعة الحال، سيقع الخبراء حتماً في بعض الأخطاء من حين لآخر.
من جانبه، وجه تيم بارتيك، الخبير الاقتصادي لدى معهد أبجون لأبحاث التوظيف، انتقاداً شديداً عبر موقع «تويتر» إلى بروفسورة الصحافة إيلين شيل لما اعتبره سوء عرض لنتائج بحث اضطلع به بالتعاون مع زميله براد هيرشبين. كان مقال الرأي الذي نشرته شيل حول البحث في صحيفة «نيويورك تايمز» قد حمل عنوان «ربما فقدت الكليات أهميتها»، وأشار إلى أن العائدات النقدية على التعليم العالي أصبحت اليوم أقل كثيراً بالنسبة للأسر الفقيرة عن الأخرى المنتمية إلى الطبقتين الوسطى والغنية.
ومثلما أوضح بارتيك فإنه وزميله هيرشبين توصلا إلى أن الاختلاف في العائدات على مدار العمر بين الحاصلين على درجة البكالوريوس ومن اكتفوا بإنجاز المرحلة الثانوية من التعليم، كان كبيراً بالنسبة للأفراد المنتمين إلى جميع الخلفيات المرتبطة بالدخول.
بالنسبة للأفراد المنتمين إلى أقل عن 185 في المائة من خط الفقر، فإن 71 في المائة من الاختلاف في العائدات ترجم إلى دفعة في الدخل على مدار العمر بقيمة 335 ألف دولار، مبلغ ليس بالضئيل ويعد أكثر كثيراً عن تكلفة غالبية الدرجات العلمية الجامعية. المثير أنه فيما يخص الأسر تحت خط الفقر، توصل بارتيك وهيرشبين إلى فارق ضخم للغاية بلغ 179 في المائة، رغم أن تقديراتهما كانت أقل دقة.
أيضاً، أشار بارتيك إلى أن التباين بين الطبقات الذي تحدثت عنه شيل لم يكن له وجود بالنسبة لأصحاب البشرة السمراء أو النساء. وتوصل الباحثان إلى أن أصحاب البشرة الداكنة من الخلفيات منخفضة الدخل الحاصلين على شهادات جامعية يحصلون على امتداد حياتهم على أموال تزيد على خريجي الجامعات من البيض المنتمين لخلفيات اجتماعية مشابهة بمقدار 408 آلاف دولار. وعليه، فإنه من خلال التقليل من قيمة الدرجة الجامعية، من الممكن أن تتسبب شيل وآخرون في أضرار شديدة للأقليات المهمشة بالفعل.
وبطبيعة الحال، لا تعني النتائج التي شرحها بارتيك سلفاً أن نيل شهادة جامعية سيؤدي تلقائياً إلى تعزيز دخلك بمقدار معين، ذلك أن جزءاً من هذا الفارق يعود ربما إلى المهارة الفردية ومستوى التفاني في العمل من جانب المرء. كما أن تخصصك العلمي يلعب دوراً مهماً، ذلك أن العائدات كانت أعلى على نحو ملحوظ بالنسبة للحاصلين على شهادات جامعية في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والرعاية الصحية وإدارة الأعمال عن المتخصصين في الآداب والإنسانيات. وعليه، فإن البحث الذي أجراه بارتيك وهيرشبين لم يطرح إجابة مثالية لسؤال «هل ينبغي عليَّ الالتحاق بالجامعة؟» ومع هذا، يبدو أنه حتى هذه اللحظة فإن الإجابة بالنسبة لغالبية الأفراد: «ربما»، طالما أن بمقدورك نيل شهادة جامعية نهاية الأمر.
من ناحية أخرى، فإن مقال الرأي الذي كتبته شيل تناول نقطة أخرى مهمة كثيراً ما تتجاهلها النقاشات الدائرة حول أهمية نيل الشهادات الجامعية، أن النظام الجامعي ربما يفاقم من التفاوتات. ويمكن رصد ذلك عبر الأرقام التي طرحها بارتيك وهيرشبين بخصوص الدخول على مدى الحياة لخريجين من خلفيات مختلفة.
بالنسبة للفقراء، وجد بارتيك وهيرشبين أن الشهادة الجامعية أسهمت في تحقيق دفعة كبيرة للغاية في الدخل. وعليه، فإنه عند الطرف الأدنى من التوزيع، فإن الشهادة الجامعية ربما تنجح في تقليص التفاوتات بين الأفراد. إلا أنه قياساً بالدولار، فإن الأشخاص المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الأعلى يحصلون على الزيادة الكبرى في العائدات، أكثر عن مليون دولار في العائدات على مدار العمر.
ويعني ذلك أن الشهادات الجامعية تزيد فعلياً من مجمل الفجوة في الدخل بين الطبقة العليا والطبقة الوسطى. وتوصل بارتيك وهيرشبين إلى أن الاختلاف يميل بصورة أساسية لصالح خريجي الجامعات من الذكور البيض المنتمين إلى الأسر الميسورة.
المؤسف أن هذا أمر متوقع، بالنظر إلى أن جزءاً من الفائدة التي تحملها الكليات لا يأتي من الدروس والتحصيل العلمي، وإنما الأشخاص الذين تلتقيهم. بالنسبة للفقراء، فإن هذا قد يعني التعرف على خيارات مهنية أفضل من أقرانهم الأفضل حالاً من حيث المال. أما بالنسبة للأثرياء، فإن هذا قد يعني بناء شبكات مع أبناء عائلات ثرية آخرين وتعزيز الأواصر الاجتماعية، التي تتيح الوصول إلى فرص توظيف واستثمار مربحة للغاية في وقت لاحق من العمر. ومن المحتمل أن يكون تأثير هذه الشبكات في أقوى صوره بالنسبة للرجال البيض، الذين لا يزالون يهيمنون حتى اليوم على المناصب العليا في الشركات وفي صفوف المستثمرين، والذين يمكن أن تعمل الشهادات الجامعية بالنسبة لهم بمثابة بوابة لدخول هذا العالم الاجتماعي.
وعليه نجد أن التعليم الجامعي مهم للغاية بالنسبة للفقراء، لكنه ربما يعود بمنافع أكبر على الأثرياء، خاصة الذكور البيض الأثرياء.
وللأسف الشديد ليس ثمة حل سهل لهذه الإشكالية، خاصة أن إلغاء النظام الجامعي يكاد يكون في حكم المؤكد أنه سيضر بالفقراء، في الوقت الذي ربما يجد الذكور البيض الأثرياء سبيلاً آخر لبناء شبكاتهم. ويتمثل حلٌّ أفضل في العمل على ضمان تميز الشبكات الاجتماعية التي يكونها الذكور البيض الأثرياء داخل الجامعة بقدر أكبر من المساواة، بمعنى العمل بصورة ما على ضمان دخول الذكور البيض الأثرياء في صداقات أكثر من نساء وأقليات وفقراء خلال سنواتهم الأولى. وبطبيعة الحال، لا يعد هذا بمهمة يسيرة، لكن تبقى الحقيقة أنه يتعين على الجامعات التفكير في سبل لتعزيز مثل هذا الاختلاط بين الشبكات البشرية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»