حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

الإسلام والقوة الناعمة

التقيت مؤخراً الطبيب الرائع الدكتور عبد الله الربيعة، رئيس «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، في لقاء عمل روى لي فيه قصة القرية الكاميرونية الصغيرة التي اعتنقت الإسلام بعد عملية فصل توأم سيامي معقدة أجراها الدكتور عبد الله. يقول الدكتور عبد الله إن قروياً كاميرونياً فقيراً جداً يسكن في قرية نائية لديه 13 طفلاً؛ اثنان منهم توأم سيامي في حالة مرضية معقدة، وقد سوّقت إحدى المؤسسات النصرانية التبشيرية عبر شبكة الإنترنت حالة هذا التوأم، ووصل الخبر للدكتور عبد الله الربيعة الذي بدوره رفع الحالة للملك عبد الله بن عبد العزيز فوافق فوراً كما كانت عادته - رحمه الله - في مثل هذه المواقف الإنسانية، وأجريت العملية الصعبة بنجاح. اللافت في الموضوع أن والد التوأم السيامي أبدى في حديث له مع الدكتور الربيعة رغبته في تزويده بكتب تعرف بالإسلام، فظن الدكتور عبد الله أن أحد الدعاة قد دعاه للدخول في الإسلام، وهو ما نفاه والد التوأم السيامي، وأكد للدكتور عبد الله أنه كان نكرة في قريته لا يكاد يعرفه أحد، وجاء إلى المملكة ورعاه ملكها واهتم به مواطنو مملكته، وأن ديناً يتبعه هؤلاء النبلاء الكرماء يشرفه أن يعتنقه. عاد الرجل لبلدته، كما يقول الدكتور عبد الله الربيعة، وفشت قصته مع ملك السعودية وطبيبها، ففشى الإسلام في القرية، وأمر الملك عبد الله بتشييد مسجد هناك، ووجه الدكتور عبد الله بالإشراف المباشر على إنشائه.
لم يدر بخلد الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، ولا مستشاره الطبي الدكتور عبد الله الربيعة حكاية تحويل هذا الرجل عن ديانته، ولكن رقي التعامل وإنسانيته فرضا على المشهد البحث عن الملة التي يعتنقها هؤلاء النبلاء، تماماً كما كان المشهد ذاته يتكرر ولكن بصورة أكبر مع التجار العرب الذين تعاملوا مع شعوب أقاليم جنوب شرقي آسيا بصدق وشفافية وحسن خلق، مما جعل عشرات الملايين من أهل البلاد يتحولون إلى دين الإسلام، وقد تنبهت المؤسسات المسيحية التبشيرية لهذا الأمر فجعلت الإغاثة والتأهيل والصدقات جسراً للتبشير تمكنت من خلاله من تنصير مئات الملايين في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية.
ليس ثمة موضوع يبعث حساسية وصدوداً مثل دعوة أحد بطريقة مباشرة إلى أن يخلع ملته أو نحلته ويعتنق ديناً أو مذهباً آخر، وفي الوقت ذاته تجد في عالمنا جهوداً ضخمة وميزانيات مليارية تبذلها المؤسسات المنتمية للأديان المختلفة والمذاهب المتنوعة في صراع تنافسي محموم للظفر باعتناق «الآخر» أديانهم ومذاهبهم، ونتيجة لإدراك هذه المؤسسات والمراكز الدينية العالمية تحسسهم من الجهود التبشيرية والدعوية المباشرة، انتهج الجميع وسائل مباشرة وغير مباشرة، وأجملها ما جاء عفوياً وبلا تكلف مثل قصة الكاميروني والتوأم السيامي وتفاعل الملك عبد الله والفريق الطبي السعودي معه بقيادة الدكتور عبد الله الربيعة.