ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

المرحلة التالية بعد قرار ترمب

ما المرحلة التالية مع إيران؟ حتى وإن اعتقدت أن الرئيس ترمب قد ارتكب خطأ بالانسحاب من الاتفاق النووي، كما هو رأيي أنا، فليست هذه نهاية القصة. إلى أين يأخذنا ذلك الطريق الوعر؟
المقلق في الشأن الإيراني هو أنه ما من أحد في تلك الإدارة يملك إجابة مقنعة. فقد أوضح تحرك ترمب أنه لم يكن نتاج استراتيجية مدروسة.
يبدأ الطريق القادم بالحاجة إلى سياسة واضحة تجاه المستقبل في إيران، وليس تلك النغمة الغامضة بتغيير النظام التي كثيراً ما سمعناها.
وقد تكون هناك نقطة انعطاف قادمة لإيران بعد وفاة المرشد علي خامنئي، الذي بلغ من العمر 78 عاماً، لكن ربما يحدث ذلك بعد سنوات. ستتسبب وفاته بحدوث الكثير من المخاطر بالنسبة إلى الولايات المتحدة بالقدر الذي ستتاح فيه الفرص أمامها. فقط فكّرْ في إيران في عهد صدام حسين.
في التعامل مع إيران، يجب أن تبدأ السياسة الحكيمة بتقييم واقعيٍّ لحال تلك الدولة. فقد زرت طهران مرتين، وكنت في كل مرة أُصدم فيها بأمرين؛ الأول هو أن إيران مجتمع حديث وراقٍ وشعبها يبغض علماء الدين الذين يديرون سياسة البلاد. والثاني هو أن شعبها يتطلع لأن يكون طبيعياً ويريد أن تنتهي كوابيسه الثورية.
كان هذا تفكيراً استراتيجياً عقلانياً بالنسبة إلى الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس أوباما، حيث منح الفرصة للتطبيع وللنمو التدريجي في ظل قيادة الرئيس حسن روحاني المعتدلة نسبياً. لكن من ضمن نقاط ضعف الاتفاق النووي، هو أن روحاني لم يستطع يوماً كبح حملة التدمير الإقليمي التي تشنها قوات «الحرس الثوري».
يجب أن تراهن السياسة الحكيمة تجاه إيران على الشعب، لا على النظام. يجب أن تتفادى حرباً مغامرة تجعل العراق يبدو كأنه نزهة. يجب أن تساعد تلك السياسة في بزوغ نجم إيران الديمقراطية القوية المستقرة بوصفها مصلحة أميركية قومية. ويجب أن تسعى هذه السياسة إلى تسوية نهائية بين إيران ما بعد الثورة والسعودية الحديثة.
المتطلب الثاني المهم هو تجنب التصويب على أوروبا في الوقت الذي يجب أن نهدف فيه إلى إيران. فأخطر نتيجة لسياسات ترمب هو أنها ربما تدفع باتجاه المواجهة مع أوروبا بأن تجعل شركاتها تختار بين إبرام الصفقات مع إيران ومع الولايات المتحدة. ربما يعتقد بعض أنصار ترمب أن ذلك ينطوي على الكثير من الذكاء، لكنه ليس كذلك. فمن شأن ذلك أن يضعف الإرادة من دون غرض مفيد، وربما نخسر في المحاكم الدولية.
المهمة الثالثة هي التخطيط للاستقرار الاقتصادي في إيران وفي منطقة الخليج. فإيران تحتال لتصدير نفطها أينما أُتيحت لها الفرصة، ويسعى التجار في الأسواق إلى إخراج أموالهم من البلاد، ولذلك ستضعف عملة البلاد، وسترتفع نسبة البطالة وستعم الفوضى. ربما يعتقد ترمب أنه سيستفيد من الفوضى الاقتصادية، وربما يستفيد مع مرور الوقت بالفعل. لكن في الوقت الحالي فإن آخر ما يحتاج إليه الشرق الأوسط هو وجود دولة فاشلة أخرى، خصوصاً إذا ما وسّعت من نطاق حربها الطائفية في العراق وسوريا واليمن، لينفلت بعدها الزمام.
لقد ضمن ترمب تقريباً عدم عودة الأوضاع إلى طبيعتها في إيران قريباً. وبالانسحاب من الاتفاق النووي، وضع ترمب إيران في إناء ليغلي ببطء. ربما يرغب ترمب في تعديل سلوك إيران من دون حرب، لكن ما من مؤشرات تقول إن هناك خطة لتحقيق ذلك أو استراتيجية لإنهاء الحرب في سوريا واليمن.
ولسوء الحظ فإن العام الأول لترمب في الحكم أقنعه بأن نهجه التمزيقي ناجح، ويعتقد أن تنمّره لكوريا الشمالية قد آتى ثماره بالضبط كما حدث في حربه الكلامية التجارية مع الصين. ولذلك فقد قلب الاتفاق النووي الإيراني أيضاً رأساً على عقب. أهم جوانب رهان ترمب على إيران هو أنه يذكّرنا بقرار الرئيس السابق جورج دابليو بوش غزو العراق عام 2003.

- خدمة «واشنطن بوست»