محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

من هو أفضل ناقد سينما؟

يطرحون السؤال هنا وهناك: من هو أفضل ناقد سينمائي؟ ثم ينقسم السؤال إلى بضعة أجزاء. أفضل ناقد سينمائي في العالم؟ أفضل ناقد سينمائي في العالم العربي؟ أفضل ناقد سينمائي في الغرب؟
الجواب ليس سهلاً على أساس أن كل واحد منا، نحن أصحاب المهنة النقدية، يعتبر نفسه أولاً. إذا ما كان متواضعاً مثلي، اعتبر نفسه الأول على صعيدين أو ثلاثة. إذا لم يكن، مثل كثيرين، اعتبر نفسه الأول على كل الأصعدة.
ولاحظ أن القلّة على أي حال هي التي تعترف بخطأ ارتكبته. رأي لم يُبن على حقيقة، أو معلومة مغلوطة من الأساس سببها عدم الإلمام أو حتى هفوة وكلنا نقع في هفوات وأخطاء. في أحد كتب الناقد ديفيد تومسون نجد كثيرا من مراجعة الذات. في كتابات روجر إيبرت كثير من الاعترافات أيضاً. هذا الأخير لا يتوانى عن أن يقول، في أكثر من مناسبة، شيئا مثل «بعد مشاهدتي الفيلم مرّة أخرى أدركت أنني أخطأت في الحكم عليه عندما كتبت عنه سابقاً».
هذه شجاعة وثقة بالنفس لا يقدر عليها سوى القلة في أي مجال.
إلى هذا، فإن السؤال مشروع جداً، خصوصاً إذا ما طُـرح من خارج الحلقة النقدية. ويبدو لي أن الإجابة عسيرة فقط إذا ما كانت مرتبطة بتفضيل ناقد على آخر لسبب واحد. لأن هناك عدة أسباب يمكن لها، إذا اجتمعت، جعل الناقد مستحقاً لأن يكون أفضل حتى بين جمهور معين.
هناك الإلمام الثقافي وهناك الإلمام الكامل بالسينما تاريخاً وحاضراً وهناك المعرفة الأكيدة لأدواتها التعبيرية والتقنية ورجالاتها وأساليبها ونواحيها وما تعرضه مباشرة وما يمكن أن يختفي خلف المشاهد.
هناك بعد ذلك أسلوب الكتابة الذي يكشف للقارئ عن منبع الناقد وأدواته المعرفية وهل يحاول أن يكون طريفاً أو أستاذاً أو يختفي وراء الكلمات البراقة والإسهابات الإنشائية أو لا.
بالنسبة لي، وقد أقبلت على قراءة النقد في المجلات السينمائية الغربية التي كانت تصل إلى بيروت في أواخر الستينات وأوائل السبعينات، فإن رايموند دورغنات (1932 - 2002) كان الناقد الأمثل. غزارة معلوماته وتحليله القائم على الصورة أساساً (وليس تبعاً للمنهج الأدبي الذي ساد عندنا وعند سوانا) تجعل قراءته لذة عامرة وأشبه بدرس لا يكلف سوى ثمن المجلة السينمائية التي يكتب فيها (نشر في كثير منها).
كتاباته كانت حذقة، مليئة بالعلم (والنقد هو علم قبل أي شيء)، موحية ومليئة بالنماذج والأمثلة. لم تكن سهلة أو استعراضية كما لم تكن مشابهة لنقاد رائعين آخرين في ذلك الحين، مثل فيليب ستريك وتوم ميل وغوردون غاو وروبن وود وديفيد بوردوَل وسواهم.
قبل ثلاثة أعوام جمع هنري ك. ميلر كل ما يستطيع في كتاب من 250 صفحة متوسطة الحجم، استيعابه من مقالات دورغنات، ومنح هواة اليوم فرصة متجددة لقراءة ذلك الناقد الذي من حسناته أنه كان ضد اتجاهين متناقضين في ثقافة الفيلم: الاتجاه المحافظ والمتزمت والاتجاه المتبني الأعراف المتداولة بسهولة كما لو أنها لا تخضع للسؤال. هو (كما أنا) آمن بأن السينما واحدة لأنها تستخدم لغة واحدة بألسن كثيرة... تماماً كالبشر.