مها عقيل
TT

خطاب الكراهية والعنصرية... الطريق إلى العنف والقتل

تعمل حملات التحريض المعادية المصحوبة عادةً بعبارات السب والشتم، فضلاً عما تفضي إليه من اعتداءات بدنية تصل أحياناً إلى درجة القتل، على إثارة المخاوف من تصاعد نبرة الكراهية وممارسات العنف ضد الآخرين. وما يزيد من الفزع إزاء ذلك هو أن من يقف وراء هذه الحملات ليس جماعات إرهابية «إسلامية» معروفة تعيش خارج التاريخ والحضارة وتجاهر بعدائها وهمجيتها ضد كل المخالفين، سواء من المسلمين أو غير المسلمين، بل هم أناس «عاديون» في دول متحضرة منفتحة على الآخر، ولكن تسكنهم العنصرية والكراهية ضد المسلمين.
ولقد تلقى المسلمون في عدد من المدن البريطانية في الآونة الأخيرة منشورات تحرض على الاعتداء عليهم وعلى مقدساتهم ودور العبادة الخاصة بهم، بل وعلى قتلهم أيضاً. وحددت هذه المنشورات الثالث من أبريل (نيسان) «يوماً لمعاقبة المسلمين»! هكذا بكل برودة دم وبجاحة ووقاحة. وأعطت نقاطاً وهمية لكل شكل من أشكال إلحاق الأذى: السب، ونزع حجاب المسلمة، والضرب، والقتل، وحرق أو تفجير مسجد، كمكافأة لمن يقوم بهذه الاعتداءات، وربما تكون هناك جائزة أيضاً لمن يجمع أكثر نقاط. وعلى الرغم من الإدانات الشديدة على المستوى الرسمي لهذا الخطاب باعتباره يبث الكراهية، ويحرض على العنف، فضلاً عن أنه يشكل عنصرية مرفوضة وأعمالاً يعاقب عليها القانون، نجد أن لهذا الخطاب درجة من القبول لدى شريحة من المجتمع ترى أن الأقليات المختلفة والمهاجرين، وخاصة المسلمين، ليس لهم مكان في الغرب ولا ينتمون إليه، بل إنهم يُعتبَرون كذلك السبب في كثير من المصاعب الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية التي تواجههم. وهذا ملاحَظ ليس في بريطانيا فحسب، وإنما في أوروبا عموماً، والولايات المتحدة أيضاً.
الإحصائيات الرسمية في بريطانيا تشير إلى ارتفاع نسبة جرائم الكراهية والعنصرية بأكثر من 20% في عام 2016، بل في العام الماضي وحده تزايدت معدلات جرائم الكراهية في بريطانيا ضد المسلمين تحديداً بنسبة 40% في إشارة إلى تفاقم ظاهرة الإسلاموفوبيا. وفي ألمانيا أفادت دراسة لمعهد برتسلمان في أغسطس (آب) 2017 عنوانها «المسلمون في أوروبا مندمجون ولكنهم غير مقبولين» بأن معظم المسلمين في ألمانيا يشعرون بارتباطهم بألمانيا وأنهم مندمجون بشكل أفضل من المتوقع. ومع ذلك كشفت الدراسة مدى ضخامة التحفظات على المسلمين، إذ عبّر كثيرون ممن شملتهم الدراسة في ألمانيا والنمسا وسويسرا وبريطانيا وفرنسا عن رفضهم أن يكون جارهم مسلماً، فعلى سبيل المثال يرفض خُمس الألمان جيرة ألمان مسلمين.
أيضاً، يشير تقرير «مرصد الإسلاموفوبيا» التابع لمنظمة التعاون الإسلامي إلى ارتفاع وتيرة العداء في أوروبا ضد المسلمين منذ 2015، خصوصاً بعد أزمة اللاجئين. ولاحظ التقرير ارتفاعاً لافتاً في مستوى الإسلاموفوبيا على الصعيد الأوروبي في مجال التعليم والعمل والإعلام والسياسة والقضاء. ولاحظ كذلك تزايداً في أعمال ضد المسلمين في دول لا يعيش فيها عدد كبير منهم، كبعض دول وسط أوروبا. وللأسف، يأتي تزايد مشاعر الشعبوية والإسلاموفوبيا في المقام الأول نتيجة للربط الخاطئ بين المسلمين والإرهاب.
ولكن أليس من الوارد أن نعتبر حملات التحريض على الاعتداء وقتل المسلمين إرهاباً؟ ألا تتسبب هذه الحملات، وهذه الآراء ضد المسلمين، والتصويت للأحزاب التي تحمل راية نبذ المسلمين، بشعور المسلمين بالرعب والإحساس بانعدام الأمن والأمان في حياتهم اليومية؟
وفق تقرير «مرصد الإسلاموفوبيا» استمرت وتيرة الكلام المرتفعة عن خطر اللاجئين والمهاجرين على الحضارة والثقافة المسيحية الأوروبية منذ 2017 في المناقشات السياسية، وبعض الحكومات الأوروبية والأحزاب اليمينية عبّرت، صراحة، عن رأيها ضد المسلمين. وفي الانتخابات الأخيرة في هولندا وفرنسا وألمانيا والنمسا وتشيكيا وبولندا، ومؤخراً إيطاليا، كان موضوع الهجرة قضية أساسية في الحملات الانتخابية، ما أجج مشاعر الخوف والكراهية.
ولقد صاحب تزايد حوادث التعرض للأقليات والمهاجرين في الدول الغربية، ونمو خطاب الكراهية، صعود لحركات اليمين المتطرف الذي يستغل موجة العداء هذه ليغذيها. وبالتالي، يحصل على مزيد من الأصوات والمقاعد في البرلمان، ومن ثم يتمكن من فرض أجندته العنصرية على سياسات الحكومة وتوجهاتها، وهذا ما ينذر بمستقبل قاتم للمسلمين وغيرهم من الأقليات والمهاجرين الذين يحاولون الفرار من واقعهم المرير في بلادهم، من فقر وحرب بحثاً عن الأمن والاستقرار، ليجدوا الأبواب توصد في وجوههم.
وفي المقابل، نرى في العالم الإسلامي تأكيدات على أعلى مستوى سياسي وديني للتعايش السلمي وتقبل الآخر. فالرسائل التي بعث ويبعث بها الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، خلال جولاته الخارجية، خصوصاً في الولايات المتحدة وبريطانيا، لها أهميتها، كونها تأتي من السعودية، قِبلة العالم الإسلامي، حيث يعمل ولي العهد دائماً على توضيح الصورة الحقيقية للإسلام المتمثلة في الاعتدال والوسطية والسلام، ويدعو إلى تعزيز ثقافة الحوار والتعايش مع الآخرين.
وفي لقاء الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي - التي هي المنظمة التي تمثل العالم الإسلامي والصوت الجامع له ومقرها السعودية - البابا فرنسيس، في الفاتيكان، قِبلة المسيحيين الكاثوليك. أكد الجانبان، إلى جانب رمزية اللقاء، أهمية الحوار بين أتباع الأديان الذي يؤدي إلى تغليب صوت الحكمة والتسامح في مواجهة العنف والإرهاب. وشدد الأمين العام على أن «الإرهاب لا دين له»، وهو ما أكده البابا من جانبه أيضاً، وشدد على أنه لا علاقة بين الإسلام والإرهاب.
كذلك التقى الدكتور العثيمين، البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، في مقر البطريركية القبطية الأرثوذكسية بالقاهرة، وأكدا المبادئ نفسها.
وصاحبت هذه التحركات على المستوى الرسمي في العالم الإسلامي، مظاهرات شعبية في الشارع، وفي وسائل الإعلام المختلفة نُشر ما يؤكد الأخوة والتضامن بين المسلمين والمسيحيين مثل ما حصل في مصر في أعقاب الاعتداءات على المسيحيين وكنائسهم، وهو أمر ليس بغريب، فعلى مر العصور كان المسيحي جاراً للمسلم في بلاد المسلمين من دون أن تكون بينهم أي عداوة.
وما تشهده بعض الدول الإسلامية من اعتداءات متفرقة على المسيحيين وأقليات دينية أخرى أمر مستنكَر ومُدان ومُسَيَّس، وهو يحدث، للأسف، في خضم توترات إقليمية ودولية أشعلت هذه الفتن مستغلّة الدين والطائفية، ويجب التصدي لها بحزم وعدم تركها تتفاقم.
أخيراً، على الرغم من الكثير من المظاهرات الشعبية في الدول الغربية ضد الجماعات العنصرية والمعادية للآخر فإن تزايد حالات الاعتداء على المسلمين وبالطريقة العلنية الواضحة مثل حملة «عاقب مسلماً»، وفوز أحزاب اليمين المتطرف تكراراً في انتخابات معظم الدول الأوروبية، يدعونا إلى التساؤل عمّا يؤدي إلى تأجيج هذه المشاعر المعادية، وكيف يجري استغلال ذلك وتوظيفه سياسياً، وطبعاً ماذا علينا أن نفعل للتصدي لهذا الخطر المحدق بالمجتمعات وبمستقبل التعايش بين الأمم والشعوب.