فؤاد مطر
أحد كتّاب الرأي والتحليل السياسي في «الشرق الأوسط» ومجلة «المجلة» منذ العام 1990 وقبلها عمل صحافياً وكاتباً في «النهار» اللبنانية و«الأهرام». نشر مجلة «التضامن» في لندن وله 34 مؤلفاً حول مصر والسودان والعراق والسعودية من بينها عملان موسوعيان توثيقيان هما «لبنان اللعبة واللاعبون والمتلاعبون» و«موسوعة حرب الخليج». وثَّق سيرته الذاتية في كتاب «هذا نصيبي من الدنيا». وكتب السيرة الذاتية للرئيس صدَّام حسين والدكتور جورج حبش.
TT

أنجزوها بنزاهة مقتنعين... قانعين

على نحو القول الطيِّب «ادخلوها بسلام آمنين» أنجز المصريون داخل محروستهم يومي الاثنين 26 والثلاثاء 27 والأربعاء 28 مارس (آذار) 2018، عملية انتخابية هادئة بامتياز، نزيهة بشهادة ثلاث منظمات دولية و21 متابعاً دولياً، مقتنعين عموماً بهذه النزاهة... قانعين بما كتبه الحال الانتخابي لهم. وهكذا يبدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي ولاية ثانية ويصطف بذلك إلى آخرين سبقوه في تجديد رئاستهم، أبرزهم فلاديمير بوتين، وآخرين من الرؤساء العرب على طريق التجديد.
لم يحدُث أن واجهت مصر ظروفاً كتلك التي عاشتها على مدى السنوات الست الماضية. ولكن حُسْن تعامُل القيادة مع هذه الظروف حسماً أحياناً، وترويضاً للمأزق أحياناً أُخرى، وإعطاء سلطة القانون كل الضمانات، شكَّل عاملاً أساسياً في أن مصر بقيت داخل مدار الأمان. وجاء الحدب الخليجي وبالذات تلك الوقفة النوعية من جانب المملكة العربية السعودية، والتي بلغت ذروتها مع الزيارة الأُولى لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر، ثم الزيارة التي قام بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وكانت في تفاصيل الأمكنة التي زارها والمبادرات التي سجلها، كما لو أنها ورقة كتب عليها عبارة «من أجل مصر، الدور والاستقرار والنهوض العربي، يواصل الرئيس السيسي برنامجه»، ووضعت في صندوق الاقتراع. ولا تغيب عن الذاكرة المصرية المبادرة المتمثلة في زيارة الكاتدرائية بعد زيارة مشيخة الأزهر. كما لا تمحو الأيام الأجواء التي نشأت عن هاتيْن الزيارتيْن اللتيْن أعطتا المزيد من الرونق لمفهوم العيش المشترَك ومن دون حساسيات للوحدة الوطنية المصرية.
على مدى سنوات الولاية الرئاسية الأُولى حدثت محاولات كثيرة للعبث بالخصوصية المصرية، وسجل متربصون من الداخل والخارج ومن بعض ديار الأمة مواقف كان من الأفضل إرجاء إثارتها، إذ يكفي ما يستهدف هذه الخصوصية من إقلاق متعدد المنابع، أحياناً إسطنبولي وأحياناً دوحْي وأحياناً حمساوي، وبين الحين والآخر عبْر وسائل إعلام أجنبية تتصنع حرصاً على مصر فيما هي ضمناً تحاول رمي المزيد من الحطب على نار الإرهاب سواء في سيناء أو في مناطق داخل مصر.
واللافت أن هذا الإقلاق الكلامي والناري الذي لطالما أزهق أرواح أفراد من خيرة المؤسسات الأمنية المصرية كان يتزامن مع جهد ملحوظ على صعيد التنمية وتكثيف العمل، لوضع مصر على خريطة دول الصف الأول في استخراج الغاز، كأنما يرمي هؤلاء المقلقون إلى إبطاء أي خطوة في اتجاه صون الأمنيْن المعيشي والعسكري لمصر.
قد يقال إن الانتخابات الرئاسية كانت محسومة النتائج ولمصلحة الرئيس السيسي الذي خلا الميدان من فرسان ينازلونه، باستثناء المرشح موسى مصطفى موسى الذي كان ترشيحه مثل مسافر وصل قبل ثوانٍ من إقفال باب الطائرة استعداداً للانطلاق. هذه حيثية، لكن ثمة حالة مألوفة تؤخذ في الاعتبار، وهي أن مَن يُجري انتخابات أو يطلب استفتاءً وهو في قمة السلطة، لا يُخذَل من الرأي العام الناخب أو المستفتَى. ثم إن الانتخاب هنا ليس على قاعدة ما سيفعل المرشح إذا فاز، ولا على محاسبته للذي يجدد الرئاسة، خصوصاً أن مصر تعيش وضعاً لا تبدو الآذان مستعدة لسماع الوعود فيه، وإنما هنالك التأمل في ما حصل وما تم إنجازه. وبالنسبة إلى الأمريْن معاً فإن التسعين في المائة من مجموع المصوّتين الذين هم نحو 24 مليون ناخب من أصل 60 مليوناً يحق لهم الانتخاب (هذا الرقم لا يشمل الملايين العشرة في الخارج الذين صوَّتوا للرئيس السيسي بحماسة ملحوظة كانت في طياتها رسالة إلى مصريي الداخل لكي يفعلوا مثلهم) اختاروا النجمة التي هي شعار السيسي والتي في اعتقاده أنها رمز يضيء في سماء مكفهرة إلى حين. ثم إن اختيارهم كان لما تم تحقيقه أمنياً عشية بدء الولاية الرئاسية، ثم تباعاً سعياً بعد سعي، وخطوة ثابتة رداً على خطوة متعثرة، وإنجازاً تلو إنجاز، وتثبيتاً للوحدة الوطنية، وتصميماً على ضرْب الإرهاب، وعزماً يشارك العازم، وحزماً مع الحازم، ودرءاً للانتقاص من الهيبة، والتفافاً على إشغال مصر باحتمال تعطيش أرضها نتيجة اختراق لواقع الحال النيلي.
لن تكون الولاية الثانية للرئيس السيسي استراحة من أعباء الأُولى، وإنما على ما يجوز القول ولاية التحدي الأكبر لجني ثمار واعدة من بينها ثمار قناة تم شقها في فترة زمنية وبسواعد مصرية وغير خاضعة لإدارة الأجنبي وإرادته، كما حال الأُولى حتى لحظة إعلان التأميم بداية شروق شمس دور عبد الناصر.
ويبقى القول إن الحالات المعلَّق أمر البت فيها، والتي بحسمها تتوارى المخاوف من تشققات في الجموع المصرية، هي برسم «أجندة» الرئيس السيسي الذي فوَّضه اقتناع الشعب الناخب بنزاهة العملية الانتخابية وقناعتهم وفق مبدأ «الحالة رضا والحمد لله». وعندها تكتسب السيسية صفة ظاهرة جمْع المصريين على تجارة تغنيهم من ويلات التعصب والانقسام والعنف. والله الهادي إلى سواء السبيل.