حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

بريجنسكي الداهية الخفي!

الشخصية الأكثر إثارة للجدل في تاريخ السياسة الأميركية المعاصرة هو وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر وإليه تنسب كثير من «الخطط» و«الأفكار» و«السياسات» التي يتبناها أصحاب نظرية المؤامرة.
ولكن لقراءة تاريخ عصر الحرب الباردة لا يمكن قراءة جانب هنري كيسنجر منها من دون الاطلاع على ما قدمه الداهية الآخر زبغنيو بريجنسكي. بينهما خمس سنوات في العمر، كيسنجر ولد في ألمانيا وبريجنسكي ولد في بولندا. تركا بصماتهما على الاستراتيجية السياسية للولايات المتحدة الأميركية لفترة غير بسيطة من الزمن، ولم يخفيا أياً من علاقتهما بوسط أوروبا ولا بلكنتهما القديمة ولا انتمائهما اليهودي. الأول كان وزيراً للخارجية فترة الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون، والآخر مع الديمقراطي جيمي كارتر.
كان يشار إليهما بأنهما «يعرفان كثيرا» ولذلك كان غريباً أن يكون هناك أكثر من 12 كتاباً عن كيسنجر باللغة الإنجليزية ولا شيء عن بريجنسكي حتى صدر مؤخرا كتاب «زبغنيو بريجنسكي الاستراتيجي الأميركي الكبير» بقلم جاستن فايس. وقد قرأت الكتاب بنهم، نظراً لإعجابي بالرجل منذ فترة غير بسيطة ولعلمي بأهمية فكره الاستراتيجي الاستباقي، فهو كان «متوقعاً» لمآلات الأمور في الاتحاد السوفياتي والصعود المثير للتنين الصيني، ولكن الأهم أنه قرأ أثر التطور التقني على المجتمعات والسياسة في كتاب له قديم وغير معروف منذ عقود أربعة.
صعد نجم هنري كيسنجر بقوة معتمداً على أسلوبه في ملاطفة من معه وطريقة تنسيقه للكلام، فعرف كيف يروج لنفسه ويسوق لها بذكاء وحنكة، بينما عرف عن بريجنسكي بأنه جاف وحاد ومباشر وصادم.
أثبت الوقت أن بريجنسكي كان له دور عظيم في التطبيع مع الصين وأيضاً في ترسية سياسة التهدئة مع الاتحاد السوفياتي، وكانت له علاقة خاصة ومميزة مع الداهية الصيني الراحل دينغ شياو بينغ، ولكن كان للرجل نقاط ضعف، فهو الذي أطلق القتال باسم الدين الإسلامي في أفغانستان لمواجهة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان ولعب بالنار التي طالت العالم بعد ذلك، وكارثة أخرى وهي طريقة تعامله مع الملف الإيراني وظهور الخميني وقضية الأسرى الدبلوماسيين في طهران. بعد هنري كيسنجر لم يأتِ مسؤول أميركي سيطر على رئيسه مثلما سيطر بريجنسكي. كان فائق الذكاء وحاد العبارة واختار فريقه بعناية ودهاء، وكان يميل لمن هم من أصول شرق أوروبا، ومن ضمن الذين اختارهم مادلين أولبرايت التي جاءت بعد ذلك وزيرة للخارجية في عهد بيل كلينتون وكانت من أصول تشيكية.
مسيرة زبغنيو بريجنسكي هي سيرة الدهاء الاسترايتيجي لسياسة الحرب الباردة من وجهة نظر أميركية. كتاب جدير بالقراءة لرجل لم ينل نصيبه من البحث والتحري.