سيد أحمد غزالي
رئيس وزراء الجزائر الأسبق رئيس لجنة التضامن العربي الإسلامي مع المقاومة الإيرانية
TT

إعادة توطين سكّان ليبرتي!

بعد نقل سكّان مخيم أشرف إلى ليبرتي، باءت الجهود الدولية من أجل إعادة توطين سكّان هذا المخيم خارج العراق، بالفشل، ولم تستقبل الدول المعنية حتى الآن أكثر من نحو عشرة في المائة من هؤلاء المعارضين للنظام الإيراني. وهناك أسباب عدّة يمكن الإشارة إليها، لكن السبب الأول والرئيس هو سياسة التهديد التي اتخذها النظام الإيراني ضد الدول المرشحة لاستضافة هؤلاء للحيلولة دون تحقيق هذا الهدف.
ولا أريد الخوض في الحديث عن اقتلاع «مجاهدين خلق» من مدينة أشرف التي بنوها بأيديهم بإمكانياتهم المتواضعة خلال أكثر من 20 عامًا، لأنهم تسلموا صحراء قاحلة من الحكومة العراقية السابقة عام 1986 وحوّلوها بفعل عمل جبار وصرف عشرات الملايين من الدولارات إلى واحة خضراء وسط الصحراء بكلّ مكوّنات المدينة الحديثة، وأنهم كانوا على أفضل العلاقات مع أطياف الشعب العراقي، حيث إن خمسة ملايين و200 ألف من أبناء هذا الشعب أيدوا بأقوى العبارات «مجاهدين خلق» في عام 2006، وثلاثة ملايين من الشيعة العراقيين أيدوهم بشكل خاص في 2008.
كما أنه لا حاجة هنا إلى الخوض في الهجمات التي شنّتها القوات العراقية المؤتمرة بأمر نوري المالكي والمتعاونة مع النظام الحاكم في طهران على هؤلاء اللاجئين العزّل، سواء في «أشرف» ثلاث مرات، والهجمات بالصواريخ في ليبرتي. وحصيلة هذه الهجمات نحو 120 قتيلا وأكثر من 1500 جريح، ناهيك بمختلف صنوف التعذيب الجسدي والنفسي المفروض عليهم.
وتجب الإشارة إلى الموقف الأميركي من هذه التطورات والجرائم ضد رجال ونساء اعتبرهم طلائع السلام والديمقراطية في الشرق الأوسط، وموقف هيلاري كلينتون بعد صدور القرار القضائي بضرورة شطب «مجاهدين خلق» من قائمة الإرهاب الأميركية، حيث أعلنت أن شرط موافقتها على تطبيق هذا القرار القضائي أن يغادر «مجاهدين خلق» مخيم أشرف.
هذه الحقائق يجب الحديث عنها وبمزيد من التفصيل؛ لأنها تعد أجزاء مهمة من تاريخ شعب أراد حياة حرّة كريمة بمعزل عن التطرف الديني الحاكم في البلد وأراد استقلال الرأي والعمل خارج نطاق التبعية للقوى الكبرى، فهو جاهز لدفع الثمن من أجل الحفاظ على هذا الموقف.
لكنني أريد التطرق بشكل خاص إلى موضوع إعادة توطين المجاهدين سكّان ليبرتي، لأن مكوثهم في هذا «المخيم» الذي لا يعدو أن يكون سجنًا بناء على تقييم مجموعات العمل التابعة للأمم المتحدة، معناه مزيد من الهجوم عليهم والمؤامرة ضدهم، أو على الأقل فرض الموت البطيء عليهم بسبب فقد الحاجات المعيشية الأولية ومنع المرضى والمصابين من العلاج.
لهذه الأسباب وضعت الأمم المتحدة هذا الموضوع في جدول أعمالها، من خلال المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي أصدرت عدة بيانات ناشدت فيها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة استقبال هؤلاء اللاجئين في بلدانها، وعقدت ندوات من مندوبي الدول في جنيف لهذا الغرض، وقد شدّد الأمين العام للأمم المتحدة على هذا الطلب في التقارير الدورية التي تصدر كل أربعة أشهر خطابًا لمجلس الأمن. وأكثر من ذلك فإن جون كيري نصب سفيرًا خاصًّا باسم جاناتان واينر لتحقيق هذا الهدف. والأمين العام للأمم المتحدة نصب مستشارة خاصة لهذا الموضوع وهي السيدة جين هول لوت التي كانت نائب وزير الأمن الأميركي، لكن جميع هذه النشاطات والمبادرات لم تكلّل بنجاح إلا في حجم محدود جدًا.
وسبب عدم نجاح هذه المبادرات يعود إلى تدخل نظام الملالي بشكل مباشر للحيلولة دون إعادة توطين سكّان «أشرف» الموجودين حاليًا في سجن ليبرتي. على سبيل المثال:
- كان هناك حديث في الصحافة عن احتمال قبول الأردن بعض هؤلاء اللاجئين على أراضيه. فبدأ نظام الملالي بتحذير الأردن من مغبة هذه العملية، وهرع جواد ظريف، وزير الخارجية، لزيارة الأردن، واجتمع بالملك عبد الله الثاني وبكثير من المسؤولين الأردنيين لمنع حدوث هذا. وصرّح أحد أعضاء برلمان الملالي الذي كان مرافقًا لظريف في هذه الزيارة بقوله في حديث مع الموقع الخاص بالبرلمان في 17 يناير (كانون الثاني) 2014: «أثناء زيارة عمان تم إجراء لقاء مع الملك ووزير الخارجية ورئيس الوزراء، حيث أكدنا في اللقاء أن عمان يجب ألا تقبل زمرة المنافقين في بلدها».
- ولمّا كانت هناك رغبة من رومانيا لاستقبال مجموعة كبيرة من سكّان ليبرتي، دخل نظام الملالي على الخط لمنع المسؤولين الرومانيين من تنفيذ هذه الخطة.
- وبعد نقل أول مجموعة من السكّان إلى ألبانيا صعّد النظام الإيراني تهديداته لهذا البلد الصغير، وهدّدت قناة «شبكة الأخبار» الحكومية يوم 19 مايو (أيار) 2013: «بوجود هذا العدد في ألبانيا فإن دول البلقان ستشهد في المستقبل تفجيرات وأعمال تخريب».
ونقلت وكالة أنباء برلمان النظام عن باقر حسيني، عضو البرلمان، قوله مخاطبا الحكومة الألبانية، إن «(مجاهدين خلق) لا يشكلون خطرا على المصالح الوطنية الألبانية فحسب، وإنما بإمكانهم أن يخلقوا خطرا على كل المنطقة»، كما أن محمد رضا ثاني، رئيس لجنة الأمن في برلمان النظام، قال: «قبول (مجاهدين خلق) لا يجلب سمعة لألبانيا، وإنما سيجلب على أمد بعيد تداعيات أمنية لهذا البلد».
وقال آصفري، عضو لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان، لتلفزيون النظام: «أي بلد يؤوي (مجاهدين خلق) ستقوم إيران بقطع علاقاتها معه». وصرّح إسماعيل كوثري، عضو آخر في اللجنة: «لا يحق لأي بلد أن يقبلهم في شكل مجموعة بحيث تجعل المنظمة أن تحتفظ بانسجامها. نحن في البرلمان نتابع الأمر لكي يتم تسليمهم كلهم إلى إيران».
وهكذا نصل إلى مخطط النظام الإيراني لـ«مجاهدين خلق» سكّان ليبرتي، وهو أن النظام الإيراني يريد إما تسليمهم إلى إيران وجعلهم يركعون أمام ولاية الفقيه أو ارتكاب مجزرة بحقهم في العراق.
ولا حاجة إلى التطويل في الموضوع، حيث إن جميع قادة النظام الذين التقوا في الأسبوع الثالث من الشهر الحالي رئيس المجلس الأعلى للقضاء العراقي مدحت محمود أثناء زيارته لطهران، ركّزوا على تسليم سكّان ليبرتي إلى إيران بهدف محاكمتهم «محاكمة عادلة»! حسب قولهم.
وهنا بصفتي رئيس اللجنة العربية الإسلامية للدفاع عن سكّان «أشرف» أهيب بقادة الدول العربية بشكل خاص وأناشدهم التدخل لفرض الضغوط على الحكومة العراقية لتوفير الأمن والسلامة لهؤلاء السكان واستقبالهم كضيوف في بلدانهم، لأنهم فعلًا ضيوف لبلد عربي شاءت الأقدار أن يدور في الوقت الحالي في فلك الملالي الحاكمين في إيران.

* رئيس وزراء الجزائر سابقًا ورئيس اللجنة العربية الإسلامية
للدفاع عن سكّان «أشرف»