طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

الوصفة السحرية

في الماضي كانت هناك وصفة سحرية أقصد يدعون أنها سحرية، اسمها (زجاجة الشيخ محمود) هذه الزجاجة كانت تباع في القرى والنجوع، ببضعة ملاليم، والمليم جزء صغير من القرش، الذي هو جزء متناهي الصغر من الجنيه، وهكذا تهافت الناس على زجاجة محمود، ليس بالطبع من أجل رخص ثمنها، ولكن لأنها كانت معروفة بقدرتها على شفاء جميع الأمراض، طبعاً اكتشف الناس الخدعة الكبرى التي صدقوها عقوداً من الزمان، وأن داخل الزجاجة، كذبة كبيرة اسمها (وصفة محمود).
كثيراً ما نسمع عن الوصفة السحرية للأفلام، وكيف تحقق الملايين، وفي السينما المصرية، خلال السنوات العشر الأخيرة يتم تداول تعبير الوصفة (السبكية)، ثبت أن الجمهور لا يقبل بالضرورة على الأفلام المصنوعة طبقاً لتلك المعادلة، التي يمكن تلخيصها في راقصة ومُغنٍ وعدد من الخناقات والمطاردات.
هناك دائماً نموذج ما، يعتقد البعض أنهم لو استطاعوا محاكاته لحققوا النجاح، مثلا عام 1954 عندما انتشرت أغنية عبد الحليم حافظ (على قد الشق اللي في عيوني)، ذهب للإذاعة أكثر من 100 مطرب، كلهم يقلدون صوت عبد الحليم حافظ بعد أن تحول من مغنٍ ناجح، ليصبح وكأنه هو فقط يساوي الغناء، وبالطبع كان الرسوب الجماهيري النصيب الأكبر لهم، وهو ما حدث قبلها مع محمد عبد الوهاب، الذي ظهر له مقلدون كل منهم اعتبر أن هذا هو الطريق المضمون لصعود سلم النجاح والشهرة، حتى إن بعضهم كان يتلعثم مثل عبد الوهاب في نطق حرف (السين) عند الغناء وينطقه (ثاء)!
بعد النجاح الجماهيري الطاغي في منتصف السبعينات، الذي ناله فيلم (الكرنك) بطولة سعاد حسني، حيث كان الفيلم يتناول ما كان يعرف وقتها، بسينما مراكز القوى وزوار الفجر، تناولت الأحداث التعذيب في زمن جمال عبد الناصر، ظهرت بعدها موجة من الأفلام تحاكيه بل تتجاوزه في عدد مشاهد الاغتصاب، إلا أنها لم تحقق شيئاً من الجماهيرية وظل (الكرنك) هو فقط (الكرنك)، وبمناسبة سعاد حسني بطلة الفيلم، كانت هناك محاولات لتقديم عدد من النجمات على طريقة سعاد، ظلت سعاد حسني نسخة واحدة عصية على التكرار، وهو ما حدث مع كل من حاول تقليد عمرو دياب في ملابسه وأسلوبه وحتى في غنائه لبرج (الحوت).
في منتصف الستينات، بعد أن أدخل الموسيقار محمد عبد الوهاب آلة الغيتار في أغنية (أنت عمري) لأم كلثوم، اعتقدوا أن النجاح في الغيتار، فأسرفوا فيه، ومرة أخرى بعد نجاح لحن (رسالة من تحت الماء) الذي استخدم فيه الموجي (الفيولينة) الكهربائية، تصوروا أن النجاح يكمن في الكهرباء! إنه يذكرني بمن يتصور أن سر نجيب محفوظ أنه كان يمشي يومياً من بيته بحي (العجوزة) إلى مكتبه بجريدة (الأهرام) نحو ساعة، فقرر أن يمشي من القاهرة لأسوان (رايح جاي) وأمسك بعدها بالقلم ليكتب (الثلاثية)، أو أن سر أشعار محمود درويش في عدد فناجين القهوة التي يحتسيها يومياً فتجرع مائة فنجان (بن زيادة)، أو أن توفيق الحكيم بنى مجده لأنه يرتدي على رأسه (البيريه) ويمسك بيده العصا، ويحمل لقب (عدو المرأة)، فأعلن كراهيته لكل النساء ووضع في منزله صورة لـ(ريا وسكينة) أشهر سفاحتين في التاريخ تخصصتا في قتل النساء!
ابحث عن السر في أعماقك، الوصفة المضمونة هي فقط (كن نفسك)، ولا تستعر ملامح ولا صوت ولا أصابع غيرك!