سلمان الدوسري
كاتب وصحافي سعودي. ترأس سابقاً تحرير صحيفة «الاقتصادية»، ومجلة «المجلة»، وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عضو مجالس إدارات عدد من المؤسسات والشركات والهيئات الإعلامية.
TT

جنيف تشهد على عزلة قطر

كان المشهد صادماً، لكنه يعبر عن الواقع، لولوة الخاطر المتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية تتحدث للحضور على هامش اجتماع مجلس حقوق الإنسان في جنيف، إلا أن السيدة الخاطر تكبّدت عناء الحديث لسبع وأربعين دقيقة كاملة عن أزمة بلادها مع الدول المقاطعة، في قاعة يفترض أن الحضور فيها بالعشرات، غير أنها كانت شبه فارغة إلا من أشخاص عددهم أقل من أصابع اليد الواحدة، في مشهد بائس ويشرح حالة العجز الذي تعيشه الدبلوماسية القطرية في معالجة أزمتها، وكيفية تفاعل دول العالم مع ما تعتبره الدوحة قضيتها الأولى والأساسية، وهي محقّة في ذلك، بينما كل الدول الأخرى، حتى أقرب حلفائها مثل تركيا وإيران، ترى أنها أصبحت مع مرور الوقت قضية هامشية لا تهتم بها وليست مستعدة لأن تضعها حتى في أدنى درجات الأهمية، خصوصاً أن خريطة الحل التي تريدها الدوحة مستحيلة وغير قابلة للتحقق، فهل بعد هذا كله ستترك تلك الدول قضايا كبرى بالمنطقة مثل الحرب في سوريا أو الاقتتال في ليبيا أو تدخلات إيران في الإقليم، لتتفرغ للاهتمام بقضية هامشية ليست ذات تأثير عليهم؟!
الاستراتيجية القطرية تركز في مساعيها لإبقاء أزمتها طافية على السطح، في التقاط تصريحات غربية دبلوماسية روتينية والبناء عليها واعتبارها حبل النجاة، ثم يثبت أن تلك التصريحات ليست إلا مجرد ذر الرماد على العيون، ولم تتقدم معها الدوحة خطوة واحدة لفك مقاطعتها، ثم تلتقط تصريحات جديدة وتبني عليها مواقفها من جديد، وهكذا تستمر في دورانها في حلقة مفرغة، ثم لا تلبث أن تعود لمكانها الأول، تسعة أشهر وهي على هذه الحال من الدوران، ولعل آخر ما فرحت به الدوحة كثيراً وتراقصت له ما تناقلته وسائل إعلام أميركية قبل أيام من أن الرئيس ترمب سيستضيف سلسلة من الاجتماعات المنفصلة مع كبار قادة السعودية وقطر والإمارات، في مسعى لوضع حد للأزمة القطرية، وأن الهدف من تلك الاجتماعات هو «التوصل إلى اتفاق سلام خلال قمة في واشنطن أو في كامب ديفيد أواخر فصل الربيع»، طارت الدوحة بهذا الخبر ظناً أن أزمتها ستحل من البوابة الأميركية، ودون الالتزام بالشروط التي تتمسك بها الدول المقاطعة، ثم سرعان ما صُدمت قطر مرة أخرى، وما أكثر صدماتها، عندما أكدت وكالة «أسوشييتد برس» أن الإدارة الأميركية لا ترغب في عقد القمة المتوقعة في مايو (أيار) بمشاركة الدول الخليجية الست في المنتجع الرئاسي الأميركي، ما لم تحل الدول خلافاتها بنفسها قبل انعقاد القمة، بعبارة أخرى الحل لن يكون عبر واشنطن كما تمني الدوحة نفسها، وأن عليها حل أزمتها بنفسها مع جيرانها، وهو آخر ما تتمنى أن تستمع له من قبل الإدارة الأميركية.
خططت قطر لاجتماع مجلس حقوق الإنسان في جنيف طويلاً، واستعدت له جيداً، وجهّزت لمعركتها فيه بأسلحة ظنت أنها فعالة، وحشدت أجهزتها الرسمية وغير الرسمية، واعتقدت أنها ستوجه من خلاله ضربة قاصمة للدول الأربع المقاطعة، وكالعادة تحول وبالاً عليها وكشف مدى عزلتها التي أضحت واقعاً مراً تراه كل دول العالم إلى الدولة المعزولة نفسها، تظن أنه بمجرد ترويج فرقعات إعلامية يمكن لها أن تسجل حضوراً دولياً يلغي عزلتها. وكما لم تنفعها الصفقات العسكرية المليارية، ولم تنفعها الزيارات الماراثونية، أيضاً لن تنفعها الخطب الرنانة، بعد أن صارت مملة ومكررة بالشكل الذي تشابه فيه حضور قطر مع أصغر دول أفريقيا في المحافل الدولية.