د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

صناعة الترفيه في السعودية

في خطتها الاستثمارية للسنوات العشر المقبلة، أعلنت الهيئة العامة للترفيه في المملكة العربية السعودية عن نيتها استثمار ما يقارب 64 مليار دولار في قطاع الترفيه بالمملكة (ما يوازي 4.6 مليار دولار في السنة). وبعيداً عن المواضيع الشائكة المصاحبة لهذا الخبر، فإن الإعلان في حد ذاته توضيح للمستثمرين عن وجود فرص استثمارية في قطاع الترفيه في المملكة، وأن الهيئة داعمة للمستثمرين في حال عزموا على الاستثمار في هذا القطاع، وهي خطوة أولى لدخول المستثمرين لهذا القطاع، فلا أحد يرغب في استثمار أمواله بمشاريع لا تتوافق مع مستقبل الدولة ورؤيتها. وطرحت أسئلة عدة بعد هذا الإعلان، تعلق أحد هذه الأسئلة بالعائد الاستثماري لهذه المشاريع على مستوى الاقتصاد المحلي، وعلى مستوى الفرد أيضاً.
لهذه الاستثمارات عوائد مباشرة، مثل توفير الوظائف في بعض القطاعات الترفيهية، إلا أن هذه الوظائف لن تتوفر في القريب العاجل، ذلك أن القطاع الترفيهي في المملكة قطاع ناشئ، يحتاج لبعض الوقت كي يكون باستطاعته أن يكون أحد أعمدة توفير الوظائف، وهو قطاع قادر بكل تأكيد على توفير الوظائف، في حال تم استثماره بالنهج الذي يتوافق مع مستقبله. كما أن لهذا القطاع عائداً غير مباشر للاقتصاد، وذلك بتوفير فرص استثمارية داخل المملكة، وإيجاد مجالات للإنفاق في وسائل الترفيه المحلية، بدلاً من النزيف المستمر بالبحث عن وسائل ترفيه خارج حدود المملكة. ولن أخوض في هذا الجانب كثيراً، فلقد تناولته وسائل الإعلام بشكل مكثف خلال العام المنصرم.
وما استجد في الأيام الماضية هو إعلان الهيئة عن استثمار ما يقارب 4.6 مليار دولار سنوياً في قطاع الترفيه، وقد يبدو للبعض أن هذا المبلغ ضخم على قطاع مثل قطاع الترفيه، إلا أن الواقع أن هذا الرقم قد لا يساوي شيئاً مقارنة بمعدل الإنفاق العالمي لقطاع الترفيه، حيث بلغ حجم صناعة الترفيه على مستوى العالم عام 2014 ما يقارب 6.1 ترليون دولار، ويتوقع أن يصل هذا الرقم إلى ما يزيد على 2.2 ترليون دولار عام 2019. وتتصدر الولايات المتحدة والهند والصين واليابان دول العالم في صناعة الترفيه من ناحية معدل الإنفاق. وبالنظر إلى ما ستنفقه هيئة الترفيه نسبة إلى الإنفاق العالمي، يتضح أن ما ستنفقه على هذا القطاع الناشئ لا يتعدى نسبة الأربعة من ألف من الإنفاق العالمي، وجل هذا الإنفاق قد يكون في بناء بنية تحتية للقطاع الترفيهي، مثل دار الأوبرا. وهنا، يجب التنبيه على أن قطاع الترفيه يتضمن عدة قطاعات، ولا ينحصر على دور الأوبرا أو السينما، كما هو شائع.
وتتضمن صناعة الترفيه عدة قطاعات (إضافة إلى المذكورَين سابقاً)، وتصنف ألعاب الفيديو المنزلية، والإنترنت، والأفلام، والكتب والصحف والمجلات، ضمن قطاع الترفيه. ويأتي الإنترنت في صدارة هذه القائمة من ناحية الإنفاق العالمي، حيث يبلغ الإنفاق على الإنترنت أكثر من 500 مليار دولار سنوياً، بمعدل زيادة سنوية يقارب 9.12 في المائة. وتأتي ألعاب الفيديو (سواء كانت المنزلية أو غيرها) في المرتبة الثانية، بمعدل إنفاق عالمي يقارب 300 مليار دولار، ويزداد الإنفاق فيه بنسبة 6.4 في المائة سنوياً. أما دور السينما، فيبلغ حجم الإنفاق فيها 40 مليار دولار سنوياً، بزيادة تبلغ 2.4 في المائة سنوياً. ومع التطور التقني في السنوات الأخيرة، بدا جلياً التحول في الإنفاق من وسائل الترفيه التقليدية إلى وسائل الترفيه الرقمية، فبعد أن كان الإنفاق على وسائل الترفيه عام 2009 ما يقارب 875 مليار دولار للوسائل التقليدية، مقابل 330 مليار دولار للوسائل الرقمية، يتوقع أن يزيد الإنفاق على الوسائل الرقمية عام 2019 عن نظيرتها التقليدية، بواقع ترليون دولار تقريباً لكل منهما.
والقطاع الترفيهي بالمملكة قطاع وليد يحتاج لكثير من الرعاية حتى ينضج ليكون قطاعاً فعالاً من الناحية الاجتماعية والاقتصادية. وفي بلد لا تزيد أعمار نصف سكانه على خمسة وعشرين عاماً، ترتفع جدوى الاستثمار في القطاع الترفيهي. وكما هي الاستثمارات المرتبطة في الرؤية السعودية، فإن الاستثمار في هذا القطاع هو استثمار ذو مدى طويل، ولذلك يجب الأخذ في الاعتبار التوجه العالمي للقطاع الترفيهي، وهو توجه يميل كثيراً للوسائل الرقمية، حتى مع زيادة بعض القطاعات الأخرى، كدور السينما.
والنجاح في صناعة الترفيه في المملكة مرتبط بعدة عوامل، تشمل ربط التوجه العالمي بالميول المحلية للترفيه، مع الأخذ بالاعتبار أن لبعض القطاعات الترفيهية ميزات أكثر، كونها تضيف لاقتصاد البلد بشكل أكبر، دون اعتماد كبير على ما تصدره دول العالم من منتجات ترفيهية.