د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

السفينة آندروميدا و«فاكهة القاعدة»

قضية السفينة «آندروميدا» التي احتجزتها السلطات اليونانية وهي في طريقها من تركيا إلى ليبيا، حيث تلقى أحد الموانئ الليبية إشارة بقرب وصول السفينة قبل اعتراضها وهي محملة بحاويات المتفجرات الـ29، فتحت الباب أمام تكهنات كثيرة وأسئلة لا حدود لها؛ فالسفينة ليست الأولى، ولا أظن أنها ستكون الأخيرة، ما دام هناك مَن أمِن العقاب، فبالتأكيد سيكرر هذا الفعل الشنيع الذي يود أصحابه إغراق ليبيا في الفوضى، وتمكين جماعات الإسلام السياسي من زمام الأمور في ليبيا كما هو حاصل في طرابلس.
والسفينة لا بد لها من مالك ومرسل ومستفيد وصاحب مصلحة وزبون؛ وحتى ضحايا، لضخامة حجم ما تحتويه من متفجرات قادرة على إغراق جزيرة بحجم قبرص في البحر.
فضيحة السفينة «آندروميدا» تضع مجلس الأمن والبعثة الدولية للأمم المتحدة وأميركا والدول الراعية لاتفاق الصخيرات في ليبيا على المحك والاختبار الحقيقي، حول جدية المسعى نحو تحقيق السلام ونزع فتيل القتال وملاحقة صناع الفوضى والخراب والإرهاب، ولكن هناك تكاسل من مجلس الأمن عن استصدار ولو بيان خجول حول فضيحة السفينة، باستثناء تغريدة على «تويتر» أطلقها مبعوث الأمين العام إلى ليبيا غسان سلامة، لا تحمل سوى الدعوة إلى استيضاح الأمر، دون أدنى درجة من درجات المطالبة بالتحقيق الجاد والتعهد بملاحقة المتورطين.
فضيحة السفينة «آندروميدا» يجب أن يقدمها مجلس النواب الليبي إلى مجلس الأمن للتحقيق بعد تأخر، والصحيح تقاعس، مجلس الأمن عن المطالبة بالتحقيق فيها، خصوصاً أن ليبيا تخضع لقرار حظر توريد السلاح، بل إن القرار منح السلطة باعتراض السفن وتفتيشها وهي متجهة إلى ليبيا.
السفينة «آندروميدا» تعد كارثة بالمعايير كافة، وتؤكد أن هناك من لا يزال يؤمن بالمفخخات والمتفجرات والاغتيالات طريقاً للسلطة، ولا يصلح أن يكون شريكاً في الوطن، بعد أن ترك زمام أمره للغير يستخدمه كيف ومتى يشاء.
قطر الممول وتركيا بلد انطلاق السفينة، وبيان القيادة العامة للجيش الليبي عدّها «جريمة حرب تقف خلفها تركيا وكل من هو خلف السفينة».
قطر التي يهيمن عليها الإخوان المسلمون لم تتوقف عن التدخل في الشرق الأوسط من سوريا والعراق إلى ليبيا، خصوصاً عقب خسارتهم مشروع الإسلام السياسي، وأصبح الرهان على ليبيا، وترحيل بقايا عناصر «داعش» من سوريا ونقلهم إلى الأراضي الليبية استمراراً للفوضى. وبعد الكشف عن وثيقة صادرة عن تنظيم داعش في سوريا، يكشف الدور القطري في دعم عناصر التنظيم بنيترات الأمونيوم التي تدخل في صناعة المتفجرات والمفخخات. العبث القطري في الشرق الأوسط، خصوصاً في ليبيا، تقوم به قطر عبر تركيا، بوصفه ورقة ابتزاز لتهديد أوروبا في أمنها، خصوصاً أن ليبيا تمتلك ساحلاً طوله 2000 كيلومتر قبالة السواحل الأوروبية، وبالتالي فإن أي فوضى فيها ستنعكس على أوروبا، حيث إن سياسات قطر التي تحمل راية تمكين وتوطين الإسلام السياسي تحمل معها كثيراً من الضحايا قرابين لأجل هذا المشروع.
السفينة «آندروميدا» وحجم المتفجرات التي حملتها والتي فاقت 200 ألف طن من نيترات الأمونيوم التي يطلق عليها مسمى «فاكهة القاعدة»، نظراً لأن تنظيم القاعدة كان أول تنظيم إرهابي يستخدم هذه المادة شديدة الانفجار. ونيترات الأمونيوم مادة كيماوية مؤكسدة شديدة، يسهل تنفيذ التفجيرات بواسطتها، يمكنها تدمير مدن بأكملها في ليبيا أو دول الجوار الليبي إذا استخدمت ليبيا بلداً للعبور والتصدير إلى غيرها.
فضيحة السفينة «آندروميدا»، في ظل نزوح وإعادة إنتاج «داعش» في الصحراء الليبية، تعد كارثة كبرى، خصوصاً في ظل تهاون وضعف أمن حدودي لدول الجوار الليبي، ومحاولة دول إقليمية تمويل نقل عناصر «داعش» الفارة من سوريا والعراق إلى ليبيا. وإن كان وجود بقايا «داعش» في الصحراء الليبية لا يزال لا يخرج عن كونه جماعات هاربة فارة انقطعت بها السبل بعد انهيار دويلتها في سوريا والعراق، ولكن إذا استمر مدها بالعناصر الهاربة، فستشكل خطراً قادماً.
«داعش» تسبب بإعادة ظهوره مرة أخرى الانقسام السياسي وعرقلة توحيد المؤسسة العسكرية من قبل جماعات الإسلام السياسي، التي لا تزال ترفض السلم المجتمعي. ولعل قضية السفينة المحملة بالمتفجرات تؤكد أن هذه الجماعات لا تزال لا تؤمن بالشراكة الوطنية، وأنها لا تزال تؤمن بالعنف، ولا أمان في التصالح والتعايش معها.