مارك شامبيون
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

حفل عشاء أوباما وبوتين وهولاند الغريب

تناول الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند طعام العشاء مرتين مؤخرا؛ الأولى مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين والثانية مع الرئيس الأميركي باراك أوباما. وهو يقوم بذلك ضمن محاولاته لإيجاد مخرج من أزمة أوكرانيا. إنه جهد مشرف ولكن مصداقية فرنسا باعتبارها حلالة للمشكلات يضعفها عقدها مع روسيا بمبلغ 1.9 مليار دولار أميركي (1.4 مليار يورو)، لتوريد سفينتين حربيتين برمائيتين من نوع «ميسترال»، مع خيار لتصريح لروسيا بصنع سفينتين أخريين. وظلت الولايات المتحدة الأميركية تحث فرنسا لإلغاء صفقة البيع هذه ولكن من دون جدوى.
إذن لماذا يكون هذا الأمر خطيراً؟ ذلك ما توضحه إمكانيات هذه السفينة، فسفينة «ميسترال» مثل حاملة طائرات صغيرة، وهي كما يقول بيتر روبرتس قائد البحرية الملكية البريطانية السابق والباحث في معهد الخدمات الملكية المتحدة بلندن: «من الصعب للغاية صنعها، فهي معقدة بشكل كبير وقوية جدا»، «كما تعد مركزا متكاملا للتدخل».
ومهمة «ميسترال» الأولى هي توصيل المروحيات سواء للدعم القريب أو لتوصيل الجنود إلى جبهة القتال. وتتسع كل سفينة لحمل 16 مروحية كبيرة مع ست منها على ظهر السفينة في كل مرة. وتستطيع كل مجموعة من ست مروحيات حمل 250 جنديا لمسافة 1225 ميلا داخل الأراضي قبل العودة لحمل المزيد من الجنود. وبمجرد مغادرة الست مروحيات الأولى تُحرك المجموعة الأخرى إلى ظهر السفينة من حظائر بواسطة مصاعد. وتتسع سفينة ميسترال لحمل 700 جندي إضافة إلى طاقمها بوسائل راحة معقولة.
والمهمة الثانية لـ«ميسترال» هي إنزال الحاملات البرمائية. وتحمل «ميسترال» أربع حاملات برمائية في مؤخرتها، ومع اقتراب السفينة من البر تغطس مؤخرتها قليلا مثل سيارة «ستروين»، عندما توقف في المواقف، حتى يفيض الماء وتستطيع الحاملات البرمائية الخروج. ويمكن استخدام هذه الحاملات البرمائية لنقل العربات المصفحة الـ59 أو الدبابات الـ40 التي تستطيع «ميسترال» حملها. وتحتوي «ميسترال» كذلك على مستشفى بسعة 69 سريرا لعلاج إصابات الجنود الذين يجري إجلاؤهم من جبهة القتال.
أخيرا وربما الأكثر أهمية لروسيا، فالحاملة «ميسترال» تحتوي على 9.000 قدم مكعب من أحدث مراكز القيادة والسيطرة التي يستطيع منها 200 ضابط توجيه قوة في مهام خاصة.
وقعت روسيا عقد شراء السفينتين عام 2009 بعد أشهر قليلة من حربها القصيرة ضد جورجيا. ومن المعروف أن القائد البحري للقوات الروسية الذي كان مسؤولاً عن إنزال القوات الروسية والمعدات في جورجيا، الأدميرال فلاديمير فيسوتوسكي، قال إنه لو توفرت له حاملات «ميسترال» حينها لأنجز خلال 40 دقيقة ما أنجزه خلال 26 ساعة.
نحن لا نعلم بالفعل نية روسيا بالنسبة للسفن والتي يفترض أن تتسلم الأولى منها في أكتوبر (تشرين الأول) العام الحالي. وصنعت هذه السفن بهياكل مدعمة وأسطح تتوفر على التدفئة بحيث يمكن استخدامها في القطب الشمالي. وكتب ضابط من البحرية الأميركية عام 2011 أطروحة من 130 صفحة عن بيع حاملات «ميسترال» توصلت إلى أنه قد لا تنشر تلك السفن في البحر الأسود، لافتقار روسيا في ذلك الوقت للمروحيات والحملات البرمائية اللازمة لتجهيز السفن بشكل كامل، ولذلك لم يبد أن الهجوم البرمائي هو الغرض الأساسي من شرائها.
وذكر التقرير في الوقت ذاته أن تدخل روسيا في جورجيا عام 2008 وضح أوجه القصور التي يمكن أن تتغلب عليها سفن «ميسترال».
على سبيل المثال كانت القيادة والسيطرة صعبة، واستغرق الأمر من روسيا ثلاثة أيام لتوصيل مروحياتها إلى أرض المعركة لتوفر الدعم القريب لقواتها، وذلك لعجز المروحيات من التحليق مع كامل تسليحها فوق جبال القوقاز.
واتضح خلال السنوات الأخيرة بشكل متزايد تصميم روسيا على تحديث مقدراتها العسكرية، بينما أصبح من الصعب أكثر التنبؤ بسلوكها. ولذلك سيكون من الحماقة افتراض أن روسيا لن تصنع ما تحتاجه لتجهيز سفنها الجديدة، أو أن إمكانيات حاملة الطائرات «ميسترال» لن تستخدم في بعض المغامرات المستقبلية ضد جيران روسيا.
تريد فرنسا المال والعقود الروسية التي ستجلبها ميسترال، والرئيس هولاند الأقل شعبية في تاريخ فرنسا لا يريد أن يدفع الثمن السياسي الداخلي لإلغاء تلك الصفقة. أما بوتين صاحب تدريب المخابرات الروسية كي جي بي فلا شك أنه سيخفي مشاعره إن وعظه هولاند بشأن ارتكابه أول ضم لإقليم أوروبي منذ الحرب العالمية الثانية، بينما يبيعه في الوقت ذاته السفن الحربية المتطورة. سيضحك الرجل الأقل عالياً.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»