ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

تسريبات سنودن أقل خطرا مما كان متوقعا

في حين تواصل أجهزة الاستخبارات تقييمها للأضرار الناجمة عن تسريبات إدوارد سنودن لبرامج سرية، يقول مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر، إن تأثيرها يبدو أقل مما كان يخشى منه لأنه «لا يبدو وكأن سنودن اطلع على الكثير» كما بدا لأول وهلة.
وصرح كلابر، في حوار نادر أجري بمقر عمله الأسبوع الماضي، قائلا «ما زلنا نحقق في الأمر، لكننا نعتقد أنه لم يتمكن من تسريب الكثير مما اطلع عليه. ويبدو أنه لم يحصل على بعض الأشياء التي اعتقدنا أنه قد حصل عليها». وأضاف أنه وعلى الرغم من أن حجم التسريبات أقل بعض الشيء مما كان متوقعا، فإن الضرر لا يزال «عميقا».
ويتناقض هذا التقييم مع وجهة نظر المسؤولين، الذين افترضوا الأسوأ منذ البداية، وكانوا غير متيقنين من حجم ما حصل عليه سنودن - بما في ذلك إمكانية أن يكون قد كشف عن شبكات الاتصالات التي تشكل قيادة الجيش ونظام التحكم به. ويعتقد المسؤولون الآن أن تلك التكهنات ربما كانت مغالية إلى حد كبير.
ومن المستحيل إجراء تقييم مستقل لدقة ما ذكره كلابر، سواء في ما يتعلق بالضرر الذي يزعم أن سنودن سببه، أو التهوين من شأن ذلك الضرر. ويعد ذلك أحد الأسباب التي تجعل الوصول إلى حل قانوني في القضية ذا قيمة كبيرة؛ إذ إنه سوف يثبت الحقائق.
ووضعت أجهزة الاستخبارات ثلاثة مستويات من المعلومات لتقييم الضرر الناجم؛ المستوى الأول هو 300 أو نحو ذلك من الوثائق التي ذكر مسؤول استخباراتي رفيع المستوى أن المؤسسات الإخبارية في الولايات المتحدة أو خارجها نشرتها بالفعل بصيغ منقحة في كثير من الأحيان. والثاني يشمل 200.000 وثيقة إضافية تعتقد الولايات المتحدة أن سنودن أو مساعديه قاموا بتسليمها لوسائل الإعلام. وتأتي في المرتبة الثالثة الوثائق التي يدعي سنودن أنه حصل عليها لكن وضعها الحالي غير معروف، بينما قلل المسؤولون من تقييم التهديد. وتضم هذه المجموعة من المعلومات التي ربما تم تحميلها، وفقا لما قاله المسؤول الكبير، نحو 1.5 مليون وثيقة. وهو أقل من التقديرات السابقة التي وصلت إلى 1.77 مليون وثيقة.
وقال مسؤولون أميركيون، خلال الأشهر التي تلت يونيو (حزيران) من عام 2013 مباشرة، عندما بدأ سنودن في الكشف عما في جعبته من وثائق تتعلق بوكالة الأمن القومي، إنهم لا يستطيعون الجزم بما اطّلع عليه أو قام بتحميله. والآن بعد تجميع النسخ المماثلة لأكثر الملفات سرية في ذلك الوقت، أصبح المسؤولون يعرفون بصورة أفضل ما يمكن أن يكون سنودن قد حصل عليه.
وبدا سنودن، موظف وكالة الأمن القومي السابق، في حواره مع مذيع محطة «إن بي سي» بريان ويليامز، حريصا على الوصول إلى صفقة من شأنها أن تسمح له بالعودة إلى الولايات المتحدة ومواجهة الإجراءات القانونية من خلال اتفاق تفاوضي لتخفيف العقوبة.
وحذر مسؤول استخباراتي بارز من أن مناقشة أي اتفاق تفاوضي لتخفيف العقوبة سوف تشرف عليها وزارة العدل. وعقب المسؤول على الحديث الذي أدلى به نائب مدير وكالة الأمن القومي ريك ليدجيت في مارس (آذار) الماضي، والذي قال فيه إن هناك «مجالا للمفاوضات» مع سنودن، قائلا إن ذلك لا يعكس سوى وجهة نظر ليدجيت الشخصية. ورفض المسؤول البارز وصف سنودن لتصرفاته خلال مقابلته مع محطة «إن بي سي» بأنها وطنية ودستورية، قائلا «تصبح المساومات القضائية صعبة إذا بدأت بالقول إنك بطل وترغب في الاستعراض». إن الأجهزة الاستخباراتية تعترض تماما على مثل هذا التقييم الذاتي.
ولكن يبدو أن الباب لا يزال مفتوحا أمام سنودن للتفاوض على بعض الأمور التي يمكن بموجبها أن يعود من روسيا إلى الولايات المتحدة ويواجه الاتهامات الموجهة إليه. وأضاف المسؤول البارز «إذا عاد وأخبرنا بكل ما يعرفه، فربما يمكن التوصل إلى تسوية ما». وقال المسؤول إنه في حال وجود مساومات قضائية، فيمكن أن تكون هناك مجموعة واسعة من النتائج المحتملة التي ستعتمد على رغبة سنودن في التعاون وتبادل المعلومات.
وفي مطالبته بشرح الضرر الذي ألحقته تسريبات سنودن، توخى المسؤول الحذر في تصريحه، حيث قال إنه ألحق «ضررا بالعلاقات الخارجية»، وتسببت التسريبات في «تأزم علاقة وكالة الأمن القومي بمقدمي الخدمات التجارية». كما أضاف أن الجماعات الإرهابية قد درست التسريبات بعناية، وقامت بتحويل الكثير منها إلى جهات مجهولة الهوية، وتشفيرها، واستخدمت جواسيس لحماية اتصالاتها.
ولم يرد المسؤول البارز على الأسئلة المتكررة حول ما إذا كانت أجهزة الاستخبارات قد لاحظت أي تغييرات في سلوك أي من الحكومتين الروسية أو الصينية في رد فعل محتمل بشأن المعلومات التي ربما تكونان قد جمعتاها من تسريبات سنودن، أم لا.
وأكد المسؤول على أن مدير الاستخبارات القومية يعمل على وضع إجراءات جديدة لتقليل احتمالات حدوث خرق لمعلومات سرية في المستقبل، بما في ذلك «تقييم مستمر» لذوي التصاريح الأمنية رفيعة المستوى من أجل رصد استخدامهم لوسائل الإعلام الاجتماعية وغيرها من الأنشطة التي تجرى عبر الإنترنت. لكنه قال إنه يشعر بالقلق من أن يكون مثل هذا النظام «قمعيا»، وربما يقرر الموظفون صعوبة العمل وفقا له.
ويكشف حوار كلابر إحدى الفوائد غير المرجحة بخصوص قضية سنودن؛ ألا وهي أن المسؤولين قرروا أن يكونوا أكثر شفافية في مناقشة قضايا الاستخبارات. ويشكل ذلك، على الأقل، خطوة إلى الأمام.
* خدمة «واشنطن بوست»