علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

قصة كتاب «نجديون وراء الحدود»

لا شك أن الخطاب الذي كتبه الدكتور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم بخط يده ووقع عليه، والذي أقر فيه أنه تسلّم من يعقوب يوسف الرشيد مبلغاً قدره عشرون ألف ريال سعودي مقابل «أتعابه» عن كتاب «العقيلات عبر القرون» - وهو الكتاب الذي غُيرّ اسمه فيما بعد إلى «نجديون وراء الحدود» - ونص فيه على أن يعقوب هو مؤلف الكتاب، يخدش سمعته، لأن ما فعله يتجافى وأخلاق العلم ويخالف تقاليده. كما أن هذا الخطاب - من زاوية أخلاقية أخرى - يدينه أيضاً، لأنه قد نكث بالاتفاق المبرم بينه وبين يعقوب بالتنازل عن حقه الأدبي والعلمي عن رضا وحرية اختيار، مقابل أجر مالي معين.
وإذا كان الخطاب هو الوثيقة القوية الوحيدة التي لدى يعقوب التي يقر الدكتور عبد العزيز فيها أن الكتاب ليس من تأليفه، وإنما من تأليف يعقوب، فإن الخطاب كذلك كان نقطة الضعف الوحيدة عند الدكتور عبد العزيز في قضية التنازع على من الذي ألَّف الكتاب. لأنه يضعه في موقع حرج جداً، للسببين الأخلاقيين المختلفين اللذين ذكرتهما سلفاً.
كان عليَّ أن أستمع إلى إفادة الدكتور عبد العزيز في هذه القضية، وبماذا يرد على مزاعم يعقوب الرشيد فيها، وليجيب عن أسئلة مصدرها إشارته إلى يعقوب من دون أن يسميه، واتفاقهما على التعاون في إصدار كتاب عن العقيلات في مقدمة كتابه الصادر عن دار الساقي، أسئلة من مثل علام كان اتفاقه مع يعقوب بالأساس: هل دوره كان يقتصر على دور الأجير أم يمتد إلى دور الشريك في الكتاب؟ هل كان يعقوب يريد منه أن يكون - فقط - مؤلفاً له من الباطن؟ وكذلك الطلب إليه أن يطلعنا على بنود «فض الائتلاف» و«الشروط التي ارتضاها كلاهما»، وأن يقول ما هي؟ وهل هي شفهية أم مكتوبة أم في حضرة شهود؟
وكان ثمة أسئلة أخرى تتعلق بخطاب الإقرار الذي كتبه بنفسه، وأملى صيغته عليه يعقوب. هذه الأسئلة، هي: بماذا يفسر أخذه مبلغ عشرين ألف ريال من يعقوب يوسف الرشيد وفي أي مقابل كانت؟ ولماذا وقع ذلك الاعتراف على نفسه؟ وهل رد المبلغ إلى يعقوب يوسف الرشيد حين انفرد بتأليف هذا الكتاب أم لا؟
فرحت أبحث عنه. وفي هذه الأثناء توجهت إلى الدكتور يحيى ساعاتي الذي ورد اسمه في مكاتبة يعقوب لدار الساقي، باعتباره أحد الشخصيات العلمية المعروفة في السعودية التي اعترف الدكتور عبد العزيز أمامها في وقت الإعداد للكتاب بالعمل لحسابه، حسب قول يعقوب. وكان قد ورد اسمه أيضاً في الإجابة عن سؤال وجهته ليعقوب. نصه هو: ما دام أن دور الدكتور عبد العزيز «يقتصر على إحضار الوثائق» لماذا لم تستعن بشخص آخر غير الدكتور عبد العزيز، الأكاديمي والمتخصص في تاريخ الجزيرة العربية الحديث؟
وكان المقصد من هذا السؤال، أن مهمة إحضار الوثائق التي يعرف هو ــ كما قال ــ مظانها الشفهية والكتابية، هي مهمة بسيطة لا تحتاج إلى شخص هو بمستوى تأهيل الدكتور عبد العزيز العلمي والأكاديمي المتخصص.
أجابني قائلاً: «حرصي نابع من اهتمامي أصلاً بالبحث. في البداية طلبت من الدكتور عبد الفتاح حسن أبو عليّه المساعدة لاهتمامه بتاريخ الجزيرة العربية في العصر الحديث، واعتذر لأنه كان مشغولاً في تلك الفترة التي طلبت منه خلالها أن يعاونني. فاستفزعت بالدكتور يحيى ساعاتي لينجدني باسم آخر، فاقترح عليَّ الدكتور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم، وأثنى عليه بأنه رجل مؤدب ومختص، ويعمل في مركز البحوث في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية».
سألت الدكتور يحيى ساعاتي عن هذه القضية الخلافية، التي اعتبره فيها يعقوب شاهداً مهماً في صالحه في مكاتبته لدار الساقي. فأفاد بالآتي: «صلتي بالموضوع من خلال يعقوب الرشيد الذي تحدث لي مراراً عن رغبته في كتابه موضوع عن العقيلات، وكان الأستاذ يعقوب يتحدث بحماس ويطرح معلومات مهمة في كل مرة يتطرق فيها لهذا الموضوع. فلما أبدى رغبته في أن أعطيه أسماء المتخصصين في التاريخ، وبالذات المهتمين بتاريخ السعودية ودول الخليج، ليتعاون مع أحدهم في جمع المعلومات، وما قد يحتاج إليه في البحث من أمور منهجية. وكنت قد طرحت عليه مجموعة من الأسماء، منهم الدكتور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم. وأعرف أنهما كانا على صلة جيدة. وشكرني الأستاذ يعقوب الرشيد لأكثر من مرة أني قمت بتعريفه على شخص مثل الدكتور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم. كما أن الدكتور عبد العزيز كان يثني على الأستاذ يعقوب الرشيد.
وكانت العلاقة بينهما كما هو ظاهر علاقة ودية لا يشوبها أي شيء ثم دب الخلاف بينهما. وتحدث لي يعقوب أن الدكتور عبد العزيز قد تجاوز حدّه، وبدأ يستعين بالمعلومات التي كان يفترض أنها جمعت للكتاب الذي ينوي الأستاذ يعقوب الرشيد وضعه. ثم تفجر الخلاف أكثر بعد صدور كتاب عبد العزيز (نجديون وراء الحدود).
وأشار يعقوب إلى أنه هو الكتاب الذي يعمل عليه. وأن دور الدكتور عبد العزيز قد اقتصر على تجميع المعلومات بتكليف منه».
ثم توجهت إلى الدكتور محمد الربيع عميد البحث العلمي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الذي عاصر الدكتور عبد العزيز في فترة عمله باحثاً في عمادة البحث العلمي. وسألته عن رأيه في الدكتور عبد العزيز. فشهد له بالكفاءة والتميز في البحث العلمي التاريخي. والحق أن الدكتور محمد فتح لي أبواباً في التحري في دعوى يعقوب ضد الدكتور عبد العزيز. ومن بينها أنه أخبرني أن الدكتور عمر العمري عضو هيئة التدريس في قسم التاريخ والحضارة في جامعة الإمام هو الذي صحب الدكتور عبد العزيز إلى منطقة القصيم، لأخذ شهادات حية من هناك حول تاريخ العقيلات. وقد حدثني عن كل ما يعرفه عن قصة الدكتور مع يعقوب الرشيد. لكنه شدّد عليّ ألا أذكر اسمه، ولا أذكر روايته في تحقيقي الصحافي، لسبب لم يشأ حينها أن يفصح لي عنه.
هذا السبب عرفته منذ أيام، بعد أن هاتفته وطلبت إليه مجدداً أن يحدثني عما يعرفه عن قصة الدكتور عبد العزيز مع يعقوب، وستعرفون معي هذا السبب حين تتمون قراءة ذيل القصة التي رواها.
يقول الدكتور محمد الربيع: «كان الدكتور عبد العزيز يحدثني عن اتفاق بينه وبين الأستاذ يعقوب الرشيد على تأليف كتاب عن العقيلات يكون باسمهما، على أن يقدم الأستاذ يعقوب وثائق ومعلومات متوفرة لديه، باعتبار أهله من أسر العقيلات قديماً. وكذلك يساعده مالياً في السفر إلى القصيم وإلى القاهرة للالتقاء ببعض رجال العقيلات والعارفين بتاريخهم هناك، وإلى لندن لجمع الوثائق المتعلقة بالعقيلات في الأرشيف البريطاني.
وبعد أن أتم الدكتور مسودة الكتاب، وكانت مطبوعة على الآلة الكاتبة، سلمها للأستاذ يعقوب. وعندما قرأها لم تعجبه، فنشأ بينهما خلاف على عدة نقاط في الكتاب. وبعد اختلاف شديد في وجهات النظر وشيء من النزاع تم الاتفاق بينهما على أن يصدر الكتاب الذي أعده الدكتور عبد العزيز باسمه فقط. وأن يستفيد الأستاذ يعقوب مما جمعه الدكتور عبد العزيز في إعداد كتاب آخر، ينشره باسمه. وقد توقعت أن الموضوع قد انتهى عند هذا الحد. ولكن بعد صدور الكتاب من دار الساقي رفع الأستاذ يعقوب دعوى لدى وزارة الإعلام ضد الدكتور عبد العزيز، وأطلعني الأستاذ محمد الخضير مدير عام المطبوعات في وزارة الإعلام السعودية وقتذاك على الشكوى، وأخبرته بما لديَّ من معلومات. وكان الدكتور عبد العزيز قد ترك العمل في السعودية وعاد إلى السودان، فقلت إن المدَّعى عليه ليس سعودياً وليس مقيماً وقت إقامة الدعوى في السعودية، والكتاب مطبوع في لندن وليس في السعودية، فينبغي أن تحفظ الدعوى. وتم الاكتفاء بمنع دخول الكتاب إلى السعودية».
سبب امتناع الدكتور محمد الربيع عن إيراد روايته سواء باسمه أو بغير اسمه في الوقت الذي نشر فيه تحقيقي الصحافي يرجع ـ كما ترون في ذيل القصة ـ أنه قد استشير في دعوى يعقوب المرفوعة على عبد العزيز.
وسأضيف ذيلاً إلى ذيل قصته هو أقصر منه كثيراً. هذا الذيل القصير هو أن الكتاب بعد منعه من الدخول إلى السعودية، سمح له بالدخول إليها بعد سنوات قليلة بفسح رسمي يرجع تاريخه إلى سنة 1994.
كنت في تحقيقي الصحافي القديم الذي أعيد إحياؤه الآن سألت الأستاذ محمد الخضير عما تم في القضية التي رفعها يعقوب على الدكتور عبد العزيز فقال: «إن الدعوى ما زالت محل نظر». وعن الإجراء القانوني الذي يمكن أن تتخذه إدارة المطبوعات في حال ثبوت الدعوى، قال: «هذا الموضوع سابق لأوانه، فما زالت القضية قيد الدراسة». وسألته: «هل يمكن ليعقوب أن يطبع النسخة التي في حوزته داخل السعودية»، فقال: «لا يمكن الحكم بذلك إلا بعد الاطلاع على المسودة، وفي حال تطابقها مع الكتاب المطبوع، فإن هذا الأمر سيعتمد على ما تسفر عنه نتيجة الشكوى». وللحديث بقية.