حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

إيران: موعد مع الحرية!

ليست هذه المرة الأولى التي تندلع فيها المظاهرات العارمة ضد النظام في إيران، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة.
مع كتابة هذه السطور تنقل لنا الأخبار أن المظاهرات متواصلة في أكثر من 8 مدن مختلفة في إيران بما في ذلك العاصمة طهران، كلها خرجت تنادي بالانسحاب الفوري من لبنان وسوريا والعراق واليمن، وإيقاف الصرف على مغامرات النظام في الخارج، ومكافحة الفقر والفساد في الداخل، مع توجيه أقسى الاتهام والإدانة والسباب بحق رموز النظام من أمثال المرشد علي خامنئي ورئيس الجمهورية حسن روحاني.
هناك العديد من الأسباب الوجيهة لانطلاق مثل هذه المظاهرات بهذا الشكل المكثف، لعل أهمها أن هناك جيلاً بأكمله وُلد ونشأ وتربى وكبر في كنف الثورة ولم يرَ من بلاده وفي بلاده إلا المآسي، وزيادة نفوذ من هم في دائرة السلطة، وحرمان الشعب من العيش الكريم وفرص العمل والرخاء، واستمرار كراهية العالم لنظام إيران، وزيادة رقعة أعدائها بشكل واضح، مع استمرار تصديرها للتطرف، وتجنيدها ميليشيا الشر في جيوب مختلفة حول العالم.
لقد سقطت الأقنعة التي كانت تروّج لها أبواق الثورة في إيران؛ أقنعة المقاومة، أقنعة الثورة، أقنعة الدين... كلها سقطت ليعلم الشعب والعالم أنه يتعامل مع نظام قمعي متسلط تاجَر باسم الدين الإسلامي والقضية الفلسطينية ولم ينتج من كل ذلك لبلاده سوى الخراب والدمار والكراهية والعداوات من كل صوب.
دورات التاريخ لا تخطئ، والتاريخ دوماً ما يعيد نفسه لأنه في ذلك يعيد سنة الله على الأرض، وقد شاهدنا ما حدث في الكيفية التي سقط بها الاتحاد السوفياتي من الداخل كبيت من ورق بعد عقود طويلة ومريرة من التغني بالحريات والثورات ومناصرة الضعفاء ضد الطغاة، ليكتشف مواطنو دول المعسكر السوفياتي أنهم لم يكونوا سوى سجناء داخل قفص كبير مسلوبي الإرادة والحرية، يسكنهم الخوف والقلق بشكل غير مسبوق. إنها الحقيقة، وهذا هو ما يحصل اليوم في إيران بشكل مشابه. لم يعد من الممكن خداع الشعب الإيراني بوهم الثورة التي روجت لها لأكثر من 4 عقود، لم يجنِ منها أي شيء من الوعود التي تُقدم له. هاجر الإيرانيون وتشردوا في كل أنحاء العالم، دخلوا حرباً طويلة، عادوا كل جيرانهم وساعدوا ميليشيات الدم والإرهاب فكان ذلك على حساب السلم الأهلي والاستقرار الأمني للمنطقة بأسرها، وانعكس ذلك الأمر بشكل رئيسي على الشعب الإيراني الذي يتكون جله من الشباب بشكل أساسي.
المظاهرات شكلها يتسع وشارك في بعض مدنها رجال من الشرطة يساعدون المواطنين، وفي الجامعات خرجت مجموعات هائلة من الطلبة تلهب الجماهير بحماس وعنفوان واضحين جداً، وتم إتلاف بعض السيارات والحافلات العامة في إشارة واضحة إلى انكسار حاجز الخوف. إنها كرة ثلج تتدحرج من أعالي القمم وآخذة في النمو والتشكل، والزخم الخارجي للمعارضة الإيرانية بأعراقها المختلفة يتكون ويتفاعل حتى يتم تكوين «الإعصار النموذجي» مما يؤدي إلى «نقطة التحول» التي تُحسم بها الأمور. هذه المظاهرات مرشحة لأن تكون نقطة اللاعودة في علاقة النظام الإيراني مع شعبه لتوفر العديد من العوامل والعناصر الداخلية والخارجية لدعم التغيير، وهو الأمر الذي لم يكن متوافراً وموجوداً من قبل، مما أفشل وأجهض الحراك السابق.
في الأيام القليلة القادمة من المهم جداً مراقبة ما الذي سيحصل في إيران، لأن 2018 قد تكون سنة الحرية للشعب الإيراني، وهي حرية مستحقة وطال انتظارها.