د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا بعد مشروع الصخيرات

ليبيا تسقط مشروع الصخيرات بعد عامين على «الاتفاق» الذي لم يشمل جميع أطراف الصراع في ليبيا، والذي تم توقيعه تحت رعاية الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات المغربية بتاريخ 17 ديسمبر (كانون الأول) 2015، والذي انتهى بنص الاتفاق نفسه في المادة الرابعة منه. اتفاق لم يتفق عليه حتى من زعموا أنهم أصحابه، اتفاق الصخيرات الذي لم يشهد يوماً أي نوع من الاتفاق أو حتى التوافق بين الفرقاء الليبيين، الذين سبق أن جمعتهم طاولة واحة غدامس الليبية في أول لقاء بينهم في الصحراء الليبية النقية، وفرقتهم طاولات الصخيرات المغربية في باقي اللقاءات، التي تحولت من حوار بين فرقاء إلى ماراثوان تفاوض مشروط بينهم، فكانت وثيقة الصخيرات مجرد حزمة من ورق، ظلت غير مكتملة التوقيعات من أطراف الصراع.
«اتفاق» الصخيرات كان مشروعاً لتوطين جماعات الإسلام السياسي وإشراكهم في السلطة التي خسروها في الانتخابات الشعبية، فالصخيرات، كما هو معروف، كان مشروع هيلاري كلينتون، وعرّاب الإسلام السياسي في الشرق الأوسط قطر، ولهذا ظل إطاراً غير ناضج لجمع أطراف الصراع، إذ اقتصر على بعضها وليس جميعها، بل تجاهل قوى أخرى مؤثرة على الأرض، مما جعل الاتفاق هشاً غير قابل للحياة رغم ضخ كميات هائلة من أكسجين الإنعاش له عبر سيل من الاعترافات الدولية لدرجة الزكام.
مشروع الصخيرات كان مجرد اتفاق جمع الأطراف الخارجية المتصارعة على ليبيا للمحاصصة بينهم، وتجاهل جذور الأزمة الليبية التي عانت من التدخل الأجنبي مراراً، الذي لم ينبئ بخير أبداً، ولم يساعد على الحل، بل كان معول هدم وإذكاء للنعرات واصطفاف مصالح، فكانت تحكمه النزعة البراغماتية الميكيافيلية في التعامل والتعاطي مع أطراف الصراع.
من خلال «اتفاق» الصخيرات هناك أطراف دولية راعية كانت تسعى لإعادة تدوير جماعات الإسلام السياسي وتوطين وشرعنة الميليشيات، بل وحتى تمكينها من حماية الحكومة الهشة المقترحة، بدلاً من إقرار بنود اتفاق الصخيرات بإعادة انتشار الميليشيات خارج المدن، ثم حلها كما نص الاتفاق، الذي تعرض لخروق كثيرة ومتنوعة ومنها تشكيل مجلس الدولة من الأعضاء المستبدلين لا المنتخبين الأصليين في مخالفة صريحة لنص الاتفاق، وممارسة حكومة السراج سلطاتها حتى قبل منح الثقة لها.
في ظل فشل وانتهاء حقبة اتفاق الصخيرات وشبح دخول البلاد في فراغ سياسي كبير عقب حالة الانقسام الشديد، ظهرت دعوات شعبية كبيرة تطالب بتفويض المؤسسة العسكرية والجيش الوطني الليبي بتسلم زمام الأمور في البلاد للخروج من حالة الفراغ، وخاصة بعد أن أعلن القائدُ العام للجيشِ الليبي، المشير خليفة حفتر، نهاية الاتفاقِ السياسي وعدمَ اعترافِ الجيش الليبي بأي قراراتٍ تصدر عن جهات غير منتخبة من الشعب بعد انتهاء ولاية الجميع وسقوط اتفاق الصخيرات بحكم المدة المنصوص عليها بنص الاتفاق وهي «عام واحد قابل للتمديد عاماً آخر»، وهو ما انتهى في 17 ديسمبر 2017، وبذلك تنتهي فيه صلاحية ما يسمى الاتفاق السياسي لتفقد معه كل ما هو منبثق عنه شرعيته المطعون فيها أصلاً.
«اتفاق» الصخيرات المنقوص الذي كان أشبه بمشروع سياسي تآمري أكثر من كونه اتفاقاً سياسياً يحمل درجة من الاتفاق بين أطراف سياسية ليبية المنشأ والانتماء لجغرافيا ليبيا الوطن، ولهذا لم يمكنه من الصمود والاستمرار والحياة والخروج بالبلاد من مستنقع الفوضى، ولهذا كان موعد انتهاء الاتفاق بنص الاتفاق نفسه، بمثابة إجماع شعبي للتخلص من قيود وسلاسل دولية كبلت البلاد طوال عامين، من السبع العجاف منذ سقوط الدولة الليبية في فبراير (شباط) 2011.