ديفيد ليونهارت
TT

نهاية الأوبامية أم بدايتها؟!

خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخير في الـ«ويست بوينت» هو أول السكاكين التي سنها للإجهاز على العقيدة الأوبامية في السياسة الخارجية التي هي مزيج من الانعزالية والعمليات والصفقات السرية وغير الاستراتيجية كما يقول بعض منتقديه. التراجع والترميم عادة أغلب الرؤساء في سنواتهم الأخيرة حينما يضطرون للتخلي عن الأفكار النظرية والقبول بالواقع بعد أن يئسوا من تغييره.
لكن هل هذا يعني نهاية الأوبامية؟! ربما لأربع سنوات أو ثمان، ولكنها قابلة للصعود من جديد.
مبدئيا يمكن القول إنه حتى لو لم يتراجع أوباما فإن الرئيس القادم، سواء كان الجمهوري جيب بوش أو الديمقراطية هيلاري كلينتون، سيقوم بقلب الصفحة. جيب بوش الجمهوري سيعيد الولايات المتحدة للشرق الأوسط وللعالم من جديد في محاولة لاستعادة النفوذ والثقة، خصوصا بعد الاحتلال الروسي للقرم، الذي صدم الإدارة الأميركية الحالية التي تقول كل الأخبار إنها لم تتوقعه مطلقا ولم تستعد له أبدا. ولكن حتى هيلاري اختلفت مرارا مع نهج أوباما في أكثر من مكان أهمها الانسحاب من أفغانستان والحرب السورية. من المؤكد أن الأوبامية ستمرض خلال الأعوام المقبلة ولكنها لن تموت.
حتى لو أراد أوباما أن يخنق بيديه عقيدته في السياسة الخارجية هذا لا يعني أنه قادر على قتلها. الكل يريد أن يكون أوباما جديدا في السياسة الخارجية. هناك عدد كبير من الساسة، خصوصا الصاعدين الشباب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري من يرون في «الأوبامية» وصفة تسويقية مضمونة لدى شعب كره منظر جثث الجنود الصغار وتعب من الحروب الطويلة وسئم من مساعدة الآخرين.
هذه الوصفة مكنت الرئيس من اكتساب شعبية كبيرة واكتساح منافسيه لأنه عرف الجواب الذي يريده الناس وباعه لهم. يقوم هؤلاء الآن في كل يوم بإعادة تركيب كلمات جديدة على الألحان التي صنعها الرئيس. لا تدخل، لا دعم، ولا مزيد من الحروب حتى لو كانت لإنهاء المجازر. لقد قاموا بالفعل بالمزايدة على الرئيس نفسه. عندما هدد الأسد بالضربات المحددة جدا، اعترض عليه بشدة هؤلاء بحثا عن الشعبية والجماهيرية. وكما يقال، النظريات تبدأ مثالية مع المؤسسين وتظهر وجهها الأكثر بشاعة مع الأجيال اللاحقة. سيكون هذا الحال مع الأوبامية، التي ستكون أكثر انعزالية وشعوبية، ولن تهتم لما يحدث خارج الحدود الأميركية. ربما سيأتي يوم سنتحسر على أوباما وأيامه. على الأقل سنتذكره خطيبا ساحرا وكاتبا بارعا.
رغم كل ما قيل عن الرئيس وفشله في السياسية الخارجية، وقد كان آخرهم نائب الرئيس السابق ديك تشيني، الذي قال بصراحة لأول مرة إن أوباما أضعف رئيس أميركي مر عليه. رغم كل هذه الانتقادات لا يبدو أن أوباما نفسه يشغله ما يقال عنه، لأنه غير مهتم بالسياسة الخارجية. في الوقت الذي يتحدث بحماس وحيوية في الصراعات والمساومات مع الجمهوريين، يبدو غير مرتاح وعكر المزاج في رحلاته الخارجية ومؤتمراته مع الصحافة العالمية. من البداية عرف الرئيس أين يضع قدميه. داخل أميركا فقط. أما إرثه الذي يحلم بتخليد اسمه فليس في سوريا أو أوكرانيا، بل في نظام الرعاية الصحية والاقتصاد.
رغم هذا فإن الرئيس خلق طائفة من منظري «الأوبامية» التي سيسعون لإحيائها رغم الفشل الواضح. كل الأفكار التي طرحوها أثبت الواقع أنها غير سليمة. العالم الآن أكثر فوضى من السابق، والنظام الدولي الليبرالي الذي صممته الولايات المتحدة بعد أن انهار النظام القديم مهدد الآن بشكل غير مسبوق. هناك حجة يرددونها أن الجماعات الإرهابية لا تحمل مشروعا حضاريا جاذبا، وهذا صحيح، ولكنها تخلق حالة من الفوضى والفشل الكامل، بالإضافة إلى ضحاياها الأبرياء. أما الأنظمة المارقة التي ارتكبت مجازر بشعة ضد الإنسانية، فمن الأفضل التعايش معها وحتى الاستثمار فيها، كما يقول أحدهم، بحجة أن الصين لا تردد بفعل ذلك. هذه الفكرة التي تجرد الولايات المتحدة تماما من الدور الأخلاقي وتحولها لشركة استثمارية عابرة للقارات أثبتت فشلها أيضا، لأن القادة القتلة سيجرون العالم إلى الحضيض، كما فعل الأسد وزعيم كوريا الشمالية بشعبيهما. رغم كل هذه الأخطاء فإن هناك تأكيدا متعمدا على صحتها والدفاع عنها. السبب واضح وهو الرغبة القوية لتحويلها لأدبيات شائعة يعاد إحياؤها من جديد. ربما لا شيء من هذا سيحدث وسيكون ذلك خبرا مفرحا، ولكن الواقع حتى هذه اللحظة يقول العكس.
* كاتب سعودي