د. عبد المنعم سعيد
عضو مجلس الشيوخ المصري حالياً، ورئيس مجلس إدارة «مؤسسة المصري اليوم» الصحافية في القاهرة، ورئيس اللجنة الاستشارية لـ«المجلس المصري للدراسات الاستراتيجية»، وسابقاً كان رئيساً لمجلس إدارة «مؤسسة الأهرام» الصحافية، و«مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية»، و«المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية»، وعضو مجلس الشورى المصري. كاتب في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ عام 2004، و«الأهرام» و«المصري اليوم»... وعدد من الصحف العربية. أكاديمي في الجامعات والمعاهد المصرية، وزميل زائر في جامعة «برانديز» الأميركية، ومؤلف للعديد من الكتب.
TT

الانتخابات في مصر

الانتخابات في مصر ليست بذات الإثارة التي تجدها في الانتخابات الأميركية التي تُدقّ فيها طبول كثيرة، أو حتى في الانتخابات السويسرية التي لأسباب غير مفهومة لا يهتم بها أحد ولا يُعرف لها طبل أو نغم. المصرية تظل لها نكهتها الخاصة التي لا تخلو من لغط وحماس وخيبة أمل في حزمة واحدة، يتابعها المصريون والعرب في شغف أو سخط، ولكن الاهتمام يظل مستمراً في كل الأحوال. وهذه المرة بينما تتأهب مصر لموسم الانتخابات الرئاسية وتنتظر مَن سوف يترشح للرئاسة إذا بالموسم الانتخابي يبدأ بداية غير متوقعة وهي انتخابات الأندية الرياضية التي تتضمن انتخاباً للرئيس ونائبه وأميناً للصندوق، وأعضاء فوق السن (35 سنة)، وتحته، ويكون المجموع مجلس إدارة النادي.
وكما هي العادة، وأياً كان مستوى كرة القدم ونتائجها، فإن ناديي الأهلي والزمالك وانتخاباتيهما احتلتا المجال العام على مدى الأسابيع القليلة الماضية. الإعلام أخذ الانتخابات الرياضية بالجدية التي يستحقها، وذاع بين الجميع أن مستوى الحضور لم يَفُق فقط كل التوقعات، بل إن عدد المصوِّتين كان ضعف العدد في الانتخابات السابقة. المعضلة أن الحماس الإعلامي لا يؤيده الواقع الموضوعي، ففي انتخابات نادي الزمالك كان عدد أعضاء الجمعية العمومية، والذين لهم حق التصويت 117 ألفاً، وكان من شارك في الانتخابات 43 ألفاً، أي قرابة 37%. في النادي الأهلي، ورغم أن عدد أعضاء الجمعية العمومية ارتفع إلى 138 ألفاً، فإن المشاركين كانوا 38 ألفاً، أي قرابة 28%. النسب هكذا لا تبرر الحديث عن ظواهر «غير مسبوقة» في الانتخابات، رغم الحوافز الكثيرة المشهرة في جماهيرية الناديين، ووجود الكثيرين من نجوم الفن وكرة القدم. ومع ذلك فإن هناك بعض الظواهر التي ربما تكون لها انعكاسات مهمة في السياسة المصرية عامة، أولاها أن «الشعبية» تغلبت في النهاية على المال، وجاء فوز محمود الخطيب (بيبو) وقائمته شهادةً على ذلك؛ وثانيتها أن التوريث سواء كان حقيقياً أو غير حقيقي، ومن ثم لم يُنتخب نجل رئيس نادي الزمالك؛ وثالثتها أن الرأي العام عند الاختيار بين «الجماهير» ورجال الأعمال، فإن الاختيار يكون في الاتجاه الأول، وحدث ذلك في الزمالك والأهلي معاً.
وربما كان في الأمر مجرد صدفة تاريخية، فقبل يومين من انتخابات النادي الأهلي (30 نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم) أعلن الفريق أحمد شفيق عن ترشحه لانتخابات رئاسة الجمهورية المصرية، وجاءت تداعيات الإعلان بينما انتخابات الأندية الرياضية تصل إلى ذروتها. ورغم أن ترشح الفريق شفيق كان متوقعاً، فإن تاريخ الرجل كان مخيباً للآمال، وهذه المرة لم تكن الخطوة استثناءً، فقد أشهرت سلسلة من سوء التقدير، بدأت بأن صاحبنا قد ترك مصر لمدة 5 سنوات، كانت مبررة منها السنة الأولى عندما كانت مصر تحت حكم الإخوان المسلمين، أما ما تلاها من سنوات أربع فلم يكن فيها ما يبرر البقاء كل هذه المدة، مع تصور إمكانية لعب دور في الحياة السياسية المصرية في نفس الوقت عن طريق التغريدات والأحاديث التلفزيونية. السياسة ليست أبداً، ولم تكن، مجرد الترشح في الانتخابات، والانتخابات الرئاسية فقط، وإنما هي خلق توجه يلتفّ حوله الرأي العام، وهو ما غاب عن المسيرة السياسية لرئيس الوزراء المصري الأسبق. وغابت الحكمة أيضاً عندما أعلن صاحبنا ترشحه خارج مصر وهو لم يصل إلى القاهرة بعد، والتي كان طبيعياً أن تكون مكان إشهار الرغبة. فبدا الأمر كما لو كان أن الحصافة غائبة. وجاءت الطامة الكبرى عندما أذاع تلفزيون «الجزيرة» فيديو الاتهامات، وبعدها تكالبت جماعات سياسية وإرهابية على تأييده. ورغم الدفع بأن الفيديو تسرب فإن التسريب كان شهادة على غياب الحرص وسوء التقدير، وكل ذلك ظل مستمراً مع الإصرار على أن تبدأ الحملة الانتخابية من باريس، رغم أن أهل مصر جميعاً يعيشون في «المحروسة» لا في بلاد الفرنجة!
خروج شفيق من شرنقته كانت له فائدتان على أي حال: أولاهما، أنه حرك مياه انتخابات رئاسة الجمهورية المصرية، وربما مشاركة جماهيرية أوسع؛ والأخرى أنه فتح الأبواب لنقاشات مصرية حريفة. فحتى الإعلان عن دخول الفريق إلى الساحة السياسية المصرية مرة أخرى، فإن الاتجاه العام لانتخابات الرئاسة كان مؤذناً بتكرار تجربة الانتخابات الرئاسية السابقة، التي استقرت على المرشح آنذاك الرئيس الحالي المشير عبد الفتاح السيسي بشعبيته الجارفة، والمرشح حمدين صباحي اليساري المصري الناصري. جرت الحملة كما هو معروف، وكانت النتيجة فوز الأول بطريقة ساحقة، حتى إن الثاني كانت الأصوات التي حصل عليها أقل من الأصوات الباطلة. هذه المرة كان المرشح الوحيد الذي طرح نفسه هو المحامي خالد علي، الذي ينتمي إلى نفس النوعية من اليسار التي كان عليها حمدين، فضلاً عن أن كليهما انتميا إلى «ثورة يناير (كانون الثاني)» التي تثير ذكريات لدى المصريين يودّون نسيانها.
ترشيح الفريق شفيق لم يضف فقط شخصية كانت لها سابقة في الترشح للمنصب الرفيع، ولكنه أضاف أيضاً إعلان شخصية أخرى هي محمد أنور السادات عن نيته الترشح والإعلان عن ذلك خلال الشهر الحالي. السادات كان عضواً بارزاً في البرلمان المصري ورئيساً للجنة حقوق الإنسان فيه، فضلاً عن ميزة الاسم المعروف بين رؤساء مصر السابقين، وطبقاً لاستطلاعات مركز «بصيرة» فإن الرئيس السادات يعد الأفضل بين رؤساء مصر السابقين في نظر الرأي العام المصري. شخصيات أخرى بدأت هي الأخرى في التشاور وجس النبض والتبشير بأيام مثيرة قادمة، وأن المصريين سوف يكون أمامهم من يختارون.
كل ذلك رغم كل ما فيه من مثالب يشير إلى أن طريق الممارسة الديمقراطية صعب، ولكنه لا يوجد طريق آخر لنضج التجربة من المحاولة والممارسة. صحيح أن الرئيس السيسي لا يزال في المقدمة من حيث الشعبية الكبيرة، وأن آخر استطلاعات الرأي العام لمركز «بصيرة» أفاد بأن نسبة رضا المصريين عن أداء الرئيس باتت 75% في مطلع ديسمبر (كانون الأول) نتيجة للالتفاف حول الرئيس في زمن الإرهاب، وما يشاهده الرأي العام من تطورات اقتصادية إيجابية توحي بأضواء عند نهاية النفق. الرئيس السيسي أيضاً لديه ميزة إضافية وهي أن المصريين لا يحبون تغيير السفينة في وسط البحر وفي أوقات عاصفة؛ وإذا كان ذلك ضرورياً فإنه يكون عند الوصول إلى الشاطئ، وهو في هذه المرة يحدث في عام 2022، طبقاً للدستور المصري عندما تنتهي فترتي الرئاسة للرئيس السيسي.