محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«نسونة» حواراتنا الذكورية!

أفنت الباحثة باربرا حياتها، منذ نهاية الثمانينات، مع أشهر شركات العالم في محاولة لفهم لماذا يختلف كل من المرأة والرجل في بيئات الأعمال. وتكمن أهمية عملها في أنها وضعت لنا إطاراً علمياً بدراساتها عن الانطباعات الأزلية السائدة بيننا، مثل المرأة عاطفية ومزاجية والرجل يحب زبدة الحديث وغير ذلك، ما يزيد التباعد بين الطرفين.
فمن ضمن جهودها البحثية أجرت نحو 100 ألف مقابلة علمية معمقة، منها ما كشف لنا أن ترك النساء وظائف قيادية في بيئات العمل بسبب محاولة الموازنة بين أعباء الواجبات الحياتية الخاصة والوظيفية لا ينحصر إلا في نسبة 30 في المائة، وليس كما نحاول تضخيمه، لكن نصيب الأسد «لفرار» النساء من أعمالهن يكمن في سيطرة البيئة الذكورية (64 في المائة)، وعدم التقدير (68 في المائة)، والشعور بالاستبعاد من فرق العمل ودائرة اتخاذ القرارات (65 في المائة)، وقلة فرص التقدم الوظيفي (55 في المائة)، بحسب مقابلة لنحو 2400 قيادية تركن كبريات الشركات الأميركية (fortune 500).
كيف لا تنفذ المرأة بجلدها وهي تشعر أنها غريبة في بيئة عمل لا تدرك الفروقات بينها وبين الرجل؟ فافتراضنا أنها يجب أن تكون مثلنا يحملها عبئاً هائلاً، فلا هي استطاعت أن تغير مشيتها ولا قلدت مشية الرجل. يأتي ذلك في ظل دراسات انبثق نجمها في مطلع التسعينات أكدت أن نسبة تدفق الدم إلى مناطق مختلفة من دماغ المرأة أعلى من الرجل، وهو ما يجعل نشاطها الذهني متقداً على مدار الساعة. فدماغ المرأة يعمل حتى في لحظات صمتها. ولذا فإنه يصعب عليها فهم لماذا يغضب الرجل حينما تسأله المرأة عن سبب سكوته. فالرجل تبين بيولوجياً أنه يمكن أن «يطفئ محركات دماغه» لردح من الزمن يستجمع به قواه وراحته بخلاف المرأة التي تلوذ بالفرار نحو أقرب شخص تفضفض له عن مكنوناتها.
وربما هذا ما يجعل المرأة حينما تتعرض لتجربة سلبية أو إيجابية، تروي ذلك لنحو 32 شخصاً حتى لو كانت الحكاية ليست ذات صلة بالحديث الدائر أو بمدى ما كانت تربطها بالطرف الآخر علاقة ما من عدمه. أما معشر الرجال، فلديهم ميل نحو إخبار ثلاثة أشخاص عن قصتهم تلك، بشرط أن تكون ذات صلة بالموضوع وأن تربطهم بهذا المستمع علاقة ما. هذا ليس من وحي الخيال ولكن من استقصاء للرأي عكفت على إعداده خبيرة العلاقات بين الجنسين باربرا أنيس عن الاختلافات بين الجنسين امتد بين عامي 2005 و2012.
ثم إن تهمة العاطفية التي نرمي بها المرأة في حواراتنا مع من تمثل نصف سكان الكرة الأرضية، فقد أفردت لها فصلاً كاملاً في كتابي «المرأة تحب المنصتين»، وضعت فيه صورة مقطعية للدماغ تظهر أن المناطق المسؤولة عن العاطفة في دماغ الرجل لا تتجاوز منطقتين، في حين أن المرأة لديها أكثر من 17 موقعاً، كانت تنشط بصورة ملحوظة عندما عرضت باحثة كندية على المشاركين في دراستها العلمية صوراً ذات طابع عاطفي.
ولدى المرأة التي لا يكترث البعض برأيها في حوار ما، مقدرة هائلة على تفسير تعابير الوجه، ثبتت علمياً، الأمر الذي يجعلني أضع دوماً وزناً نسبياً أكبر لانطباعاتها عمن ظهر على شاشة التلفاز أو من كنا نتحاور معه قبل قليل. واختبرت ذلك بنفسي على توأمين، بنت وولد، فكانت النتيجة مذهلة!
إذا لم نتقبل الفروقات بين الجنسين ونحاول أن «ننسون» بلطف كلامنا، فإننا نفاقم مشكلة «حواراتنا الذكورية»، لأننا ننسى أو نتناسى أن المرأة والرجل خلقا مختلفين ليكمل بعضهما بعضاً.

[email protected]